قبل أن تشرب “أم عمار” (واحدة من المهجرات من ريف الغوطة) فنجان قهوة الصباح، لا بد أن تسمع سنفونية “بابور الكاز” كل يوم وهي تدمدم كلمات الحسرة على أيام علت فيها السواد كما يعلو دخان ذاك البابور.
مع ارتفاع أسعار الغاز تتفاقم معاناة أهالي المناطق المحررة وعلى وجه الخصوص النازحين إليها من مناطق الحصار، فحياة الحرب وأيام الحصار الخانق، كانت كابوساَ يرهقهم.
بيدين شهدت كدحاً من السنين تقدم السيدة (الخمسينة) فنجان القهوة لزوجة ابنها عمار محاولة التخفيف من ألم فقدان الزوج وتجلس بجانبها على اسفنجة رقيقة حصلت عليها من مساعدة “أممية” لتتقاسم زوجات المعتقلين “الأب والابن” أنات الفقد والحرمان من المعيل في حياة عجز الرجال عن الاستمرار فيها وتكشف عن وجعها قائلة “أنبوبة الغاز ارتفعت خلال أسبوع إلى 13 ألف وكأنها قطعة من الذهب.. آه لم أنته بعد من جمع ثمن سعرها القديم.. ربما علي الاكتفاء بتوفير القليل من الكاز”.
مع تزايد المعارك بين فصائل الثوار وقوات النظام في ريف حماه يزداد ارتفاع الغاز وذاك ما يزيد من ارتفاع محروقات أخرى كالبنزين والمازوت، ليصل سعر لتر المازوت إلى 300 ليرة والبنزين إلى 900 ليرة، لتكون السوق السوداء هي صاحبة القرار في السعر والتوفير.
تابعت الجدة حديثها متكئةَ على كتف ابنتها المدللة، والتف حولها من بقي من الأحفاد قائلةً “مع العلم أننا اختصرنا الكثير من أنواع الطعام واقتصرنا بالاستحمام مرة كل 10 أيام إن وجد الكاز.. ينعدم الماء إلا أننا نحمد الله كون البابور أرحم من إشعال النار التي اعتدنا عليها أيام الحصار الخانق”.
بابتسامة باهتة قدمت ابنتها الكبرى “أم مازن” كأس الشاي الثقيل كعادتها كثقل تلك الأيام التي عاشتها بعد وفاة زوجها إثر انفجار صاروخ فراغي وسط الحي الذي تسكنه”.
تتابع “أم عمار” حديثها بعد أن أخرجت من جيبها منديل زوجها المغيّب لتمسح دموعها التي أبت أن تفارق وجنتيها الخشنتين قائلةً ” نحن الأحرار أين ما هجرنا.. رح تبقى ثورتنا حتى نخلص من الطاغية بشار ..رح نصبر على كل متاعب الحياة حتى نخلص من الظلم ويعود الأمن لوطنا من جديد”.
لقد أصبحت أسطوانة الغاز من أكثر المشاكل التي تنغص الأهالي مع شح الموارد المالية، في ظل انعدام مصادر الدخل وانتشار البطالة.
“أم علاء” من سكان مدينة “إدلب المحررة” تعيش حياة معاناة غلاء المحروقات وخاصة الغاز مشابهة لمثيلاتها، حدثتنا بكل وضوح عن خوفها من قدوم شهر الشتاء على الرغم من أنه شهر الخيرات والأمطار قائلةَ “زوجي رجل متقاعد ويصعب علينا تأمين أنبوبة الغاز التي باتت من الأحلام الصغيرة.. أعمد لإشعال (المنقل) بقليل من الأعواد والملابس القديمة وبعض الأشياء البلاستيكية.. وأستغني عن الغاز والمحروقات في التدفئة.. حتى البابور أعمد لتشغيله بالكاز المصنع من البلاستيك المذاب كونه أقل ثمناً”.
عاد “البابور” وبقوة ليعلو صوته من جديد بعد انقراضه لسنين طوال، وها هي “أم عمار” تعود لسماع صوته المزعج من جديد.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد