ماهي الا ساعات على قرار الرئيس الروسي بسحب معظم قواته من سوريا حتى بدأت بالفعل القوات الروسية بالانسحاب من القواعد السورية.
وما ان وصل القرار الى وسائل الاعلام حتى بدأت آلاف التحليلات
والتكهنات من السياسيين والمحللين لتملأ الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي بالخبر، والذي فاجأ بالفعل حتى أقرب المعنين بالأمر الولايات المتحدة ونظام دمشق والذي أصيب بحالة من الصدمة والذهول والتي لم يستطع مسؤولي النظام اخفاءها حيث باغتهم القرار وجاءهم على حين غرة لم تكن بالحسبان.
البعض عزا أمر الانسحاب الى اتفاق مسبق بين الأطراف الفاعلة بالمشهد السوري وعلى رأسها واشنطن وروسيا لترتيب ما، على الأرض، ومن ثم سحب معظم القوات الروسية التي استقدمت بعد التدخل الروسي الأخير وابقاء ما يضمن للروس نفوذهم على البحر المتوسط وامكانية التدخل مرة أخرى إذا ما تغيرت خريطة التوازنات ولزم الأمر ذلك.
الدور السعودي الناشط بأكثر من اتجاه غير قواعد اللعبة على أكثر من صعيد فزيادة أسعار برميل النفط والتي كانت على ما يبدو ضمن تفاهمات سعودية روسية لإنعاش الاقتصاد الروسي المتهاوي بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وتكاليف الحرب الأخيرة على سوريا التي أرهقت الخزينة الروسية المنهكة أصلا، وافلاس مجموعة من البنوك الروسية، وحالة الغضب والتذمر داخل الشارع الروسي من سياسة بوتين والتي يرى فيها الكثيرون نوع من التهور والمغامرة.
كل هذه الأسباب كان لها دور كبير في القرار الروسي الأخير لتبقى الأسباب الحقيقية وراء القرار الروسي كاملة، بجعبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحده.
رعد الشمال والمناورات العسكرية لعشرين دولة اسلامية تقودها السعودية لم تكن بعيدة عما يجري في المشهد السياسي الاقليمي والدولي بما فيها الترتيب الأخير والذي يدخل ضمن أحد أسباب الانسحاب الروسي وله علاقة به بطريقة أو بأخرى، فالمناورات هي الأكبر في المنطقة والتي آتت أكلها على ما يبدو في توجيه رسائل متعددة على جميع الجهات فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري لم ينتظر رجوع الملك السعودي الى الرياض بل تعجل ليلتقيه في الظهران وغبار المدافع والدبابات لم تهدأ بعد في اشارة واضحة للاهتمام الأمريكي لما حصل في الظهران، بعد اعراض وتجاهل أمريكي واضح للعرب ولدول الخليج من حكومة أوباما لصالح الإيرانيين في مشهد لم يكن خافيا على أحد .
ما حذا بالمملكة وملكيها الجديد المفعم بالحيوية والحزم والعزيمة ليفرض حجم المملكة ويعيد اليها اعتبارها وهيبتها على الساحة الاقليمية والدولية من جديد.
الواضح على الساحة الدولية وعلى مدار خمس سنوات من الثورة السورية بأنه لا يمكن السماح لأي من الطرفين المعارضة والنظام من حسم المسألة عسكريا، بل المطلوب حل سياسي يراعي مصالح جميع الأطراف الدولية والإقليمية المتناقضة بمشاريعها ومصالحها على الأرض السورية وهذا أحد أهم أسباب استمرار سفك الدماء والتهجير والدمار الحاصل،
وقف اطلاق النار والذي خفف حقيقة الى حد ما ،حجم القتل والدمار، كان فرصة للأطراف الدوليين الى استثمار هذه الهدنة الهشة، للوصول الى حل سياسي ينهي حالة الحرب وأهم شروطه وبنوده انهاء الفصائل الاسلامية التي تصنف باﻹرهابية كتنظيم الدولة وجبهة النصرة وبعض الفصائل التي تنهج بنفس النهج، في عملية ستكون معقدة وصعبة تتطلب من الفصائل الاسلامية بعيدا عن (تنظيم الدولة) التحضير والتنبه جيدا لهذه الخطوة والانخراط بمشروع الشعب الذي ضحى ويضحي دون التنازل عن الثوابت، وفي أحرار الشام وجيش الاسلام مثال جيد ومقبول، وذلك لقطع الطريق على المشاريع الخطيرة لتقسيم البلاد بأسماء وعناوين شتى، وما يحاك خلف الكواليس لإجهاض مشروع الثورة في التحرير بعد كل هذه الدماء والتضحيات،
مقابل الاطاحة براس النظام وبعض المقربين من دائرة الحكم في صفقة يتنازل فيها الجميع عن بعض طموحاته وأطماعه مقابل الوصول الى حل ينهي المأساة السورية بحسب تصور وتفاهم الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الخريطة السورية.
ليبقى المواطن السوري البسيط صامدا بقلوب مفعمة بالثقة وعيون يحذوها الأمل، بحل ينهي مأساته ويضع حدا لهذا المجرم المتغطرس ونظامه البائس، بعد أن قدم الغالي والنفيس للوصول الى حريته وكرامته.
وضاح حاج يوسف
مدير الجمعية الخيرية للمساندة الانسانية ibd