ساهمت الحرب في سوريا بدثر العديد من المهن والصناعات نتيجة تضرر البنى التحتية وبعض المنشآت الخدمية بما فيها المصانع، الأمر الذي ساهم بانتشار المنتجات التركية بشكل كبير والألبسة الأوروبية المستوردة في الأسواق وعلى وجه الخصوص في المناطق المحررة في الشمال السوري.
ولعل مهنة “إصلاح الأحذية” أو مايسمى في سورية “الاسكافي” كانت موجودة سابقا إلا أنها ازدهرت أكثر خلال سنوات الحرب بسبب ارتفاع ثمن الجديد منها وارتفاع نسبة الفقر بين السوريين وضعف قدرتهم الشرائية، الأمر الذي دفعهم لإصلاح القديم أو شراء الأحذية المستعملة من أسواق “البالة” لسد احتياجاتهم.
ومع اقتراب فصل الشتاء بدأت أسواق البالة تتحضر وتعرض أحذية تتناسب مع الفصل البارد بأسعار وجودة متفاوتة، وعن ذلك يحدثنا أبو عامر من مدينة ادلب:” أشتري بضاعة من الأحذية الأوروبية المستعملة وأقوم بعرضها على “البسطة” في أحد شوارع مدينتي، وأقوم بفرزها بحسب الجودة وأحدد سعرها تبعا لذلك، وقد يتواجد فيها أحذية جديدة إلا أن فيها عيوبا بسيطة تفقد من قيمتها المادية، فأقوم بجمعها وأخذها إلى أحد (الاسكافية) ليصلحها وأبيعها بسعر مناسب، والحمدلله أجني ربحا لابأس به”.
وتشهد أسواق الأحذية الجديدة كسادا باستثناء بعض الميسورين الذين يشترون منها، وذلك نتيجة التوجه الكبير للمستعمل، فقد يصل سعر الحذاء الجديد للأطفال تحت سن العاشرة 5 آلاف ليرة بينما في “البالة” أجود نوع لايتجاوز سعره ألف ليرة، بالإضافة لجودته العالية باعتبار المستعمل مصدره أوروبي مقارنة بالمنتجات الوطنية.
وعن هذه المهنة يقول أبو محمد وهو “اسكافي” من مدينة ادلب:” رغم صغر دكاني إلا أنه يكتظ يوميا بالمارة، وأكوام من الأكياس التي تحتوي أحذية بعضها بحاجة لتغيير سحاب، والبعض الآخر بحاجة لدرزة، وتراها مكدسة هنا وهناك بانتظار أن أبدأ العمل بها، لكن تواجهني مشكلة بالكهرباء اللازمة لتشغيل “ماكينة الدرز” والقص، ما يجبرني على تشغيل مولدة البنزين، وبالتالي ارتفاع أجرة التصليح، بالإضافة لارتفاع أسعار المواد الأولية كاللواصق والنعول وغيرها”.
تقول أم علي وهي أم لأربعة أطفال:” وجهتي دوما الأسواق المستعملة، فحالتنا المادية لاتسمح بشراء كسوة شتوية لأولادي من ألبسة وأحذية جديدة، فأقوم بشراء مجموعة من الأحذية المستعملة بسعر زهيد وآخذها إلى الاسكافي ليصلح مافيه عيب لتعود أفضل من الجديدة، لكن المضحك في الموضوع أن أجار تصليحها يفوق ثمنها، فقد أصلحت حذاء اشتريته ب 100 ليرة ب500 ليرة ورغم ذلك يبقى أفضل وأوفر من الجديد بكثير”.
نلاحظ أن معظم المهن التي أوشكت على الاندثار قبل سنوات الحرب، عادت وبقوة لتحيي معها عادات شعبية وتساهم في تسهيل أمور السوريين بما يتماشى مع الواقع الأليم الذي فرض عليهم، وتحقق لهم رزقا طيبا يغنيهم عن العوز.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد