ازدادت في الآونة الأخيرة أعداد الإصابات والوفيات بإنفلونزا “إتش 1 إن 1″، المعروف شعبياً باسم “إنفلونزا الخنازير” في مناطق متفرقة من سورية، بالتزامن مع العاصفة الثلجية وموجة الصقيع، اللتين تضربان البلاد
تنتشر الإنفلونزا في سورية بشكل غير مسبوق، وسط شكوك في أنّها إنفلونزا “إتش 1 إن 1” لا الإنفلونزا الموسمية. تؤكد وزارة الصحة السورية أنّ عدد الوفيات بهذه الإنفلونزا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يصل إلى 40 حالة، فيما وصل عدد الإصابات المؤكدة إلى 185. أما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة فقد توزعت الوفيات المعلنة على كلّ من حلب وإدلب وريف الرقة، بالإضافة إلى وفيات في مدينتي الحسكة والقامشلي الخاضعتين لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.
تفتقر المراكز الطبية في مناطق المعارضة إلى إمكانية إجراء فحوصات مخبرية تشخيصية، لكشف سلالة الإنفلونزا التي تتسبب بالوفيات، مما يجعل جميع الإصابات بإنفلونزا “إتش 1 إن 1” غير مؤكدة حتى اليوم. إلا أنّ الأطباء يرجحون وقوعها بسبب ازدياد حدّة الأعراض وارتفاع نسب الوفيات وهو ما لا تسببه عادة الإنفلونزا الموسمية، بالإضافة إلى تأكيد الحالات في مناطق النظام القريبة.
يوضح الطبيب، حسام الإدلبي، المتخصص في الأمراض الصدرية، لـ “العربي الجديد”: “شهدت حالتي وفاة، كلاهما لنازحين في ريف إدلب. المريض الأول كان مصاباً بذات الرئة وهو التهاب يؤثر في عمل القلب. والثاني كان مصاباً بالتهاب القصبات الحاد، ويعاني من ارتفاع الضغط والسكري. كلاهما أصيب بالإنفلونزا منذ أيام وتطورت حالتهما بشكل مفاجئ مما أدى إلى الوفاة. هذا الفيروس يضعف مناعة المريض بشكل حاد، فيصاب بعدوى أخرى تتسبب له بالتهابات قد تكون مميتة”.
يشير إلى أنّ “الحالات التي تراجع المستشفى والمستوصف عادة لا تشكو من أعراض الإنفلونزا فقط، إنما من حالات أكثر حدة. ويتضح في الفحص السريري أنها بدأت بأعراض الإنفلونزا العادية، وهي الزكام والوهن وآلام الرأس، لكنها تطورت إلى أعراض شديدة كالإسهال والسعال الشديد والوهن والتقيؤ، وقد تصل إلى أزمات قلبية أو فشل تنفسي”.
يتابع: “ما تقوم به المستوصفات اليوم هو فقط إعطاء المضادات الحيوية لمقاومة الالتهابات، بالإضافة إلى السوائل الوريدية. لكن لا تتوفر الأدوية المضادة للفيروس في معظم مناطق المعارضة”.
وكانت العاصفة الأخيرة والانخفاض الكبير في درجات الحرارة في معظم المدن السورية قد ضاعفا أعداد المصابين بالإنفلونزا الموسمية وإنفلونزا “إتش 1 إن 1”. لكنّ الأسوأ بحسب الإدلبي أنّ “أهل المريض لا يستطيعون تأمين الدفء والرعاية له. ننصحهم بأن يبقوه في مكان دافئ، فيطلبون منا أن نتركه في المستوصف لأنهم لا يستطيعون شراء الحطب لتأمين الدفء”.
أما في مناطق سيطرة النظام السوري، فتتركز معظم الإصابات في مدينة حلب. يوضح الطبيب المقيم في مستشفى حلب الجامعي، محمد الشاكر، أنه “من بين 100 مسح بلعومي تم إرساله أخيراً للمختبر في دمشق، تم تأكيد إصابة 17 منهم بإنفلونزا إتش 1 إن 1. بالنسبة إلى اللقاح المتوفر في المستشفيات، فإنّ كميته محدودة ويعطى فقط لفئات معينة تشمل الكوادر الطبية والأطفال والمسنين، والمصابين بالأمراض المزمنة كالسكري والأمراض القلبية والقصور الكلوي، ومثبطي المناعة”.
ويضيف: “معدل الوفاة لدى المصابين بهذه الإنفلونزا يبلغ عادة 20 في المائة. ويقلّ لدى التشخيص المبكر للحالة وتقديم المعالجة النوعية. بالنسبة إلى حلب فإنّ معظم المصابين هم من التلاميذ بسبب الازدحام الشديد في المدارس، وسهولة انتقال العدوى. في المقابل، فإنّ القسم الأكبر من المصابين يتماثل للشفاء بعد فترة”.
يتوقع الشاكر أن “تتراجع نسب الإصابة تدريجياً، فقمّة وقوع الإنفلونزا عالمياً هي بين منتصف ديسمبر/ كانون الأول ومنتصف يناير/ كانون الثاني”. وعن الدواء المتوفر يقول: “هناك نوعان من الدواء هما تاميفلو وريلينزا وهما متوفران في الصيدليات، ويصرفان بموجب وصفة طبية بعد تأكيد المرض”. وبينما لا يتمكن المريض من التفريق بين أعراض إنفلونزا “إتش 1 إن 1” والإنفلونزا الموسمية، يحث الأطباء على “عدم الاستهتار بأيّة أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا، ومراجعة المستوصفات فور حدوثها، خصوصاً لدى المصابين بأمراض تنفسية أخرى”.
في هذا الإطار، يعمل المتطوعون على نشر التوعية الصحية على تجنب انتشار العدوى، ويركزون في عملهم على تجمعات النازحين والمدارس. يقول هادي من الهلال الأحمر إنّ “الوقاية الفردية هي العامل الرئيسي في الحماية. أقول للأطفال دائماً إنّ الفيروسات كالغبار تنتقل في الهواء ولا نراها، لكنها تتركز على السطوح، لذا يجب مسح وتعقيم السطوح التي نكون على تماس بها، وغسل أيدينا عدة مرات في اليوم، وعدم لمس عيوننا وأنفنا بأيدينا. لكن يبقى ضمان تطبيق هذه الإجراءات في غياب المياه أمراً صعباً”.
العربي الجديد