“الرقص على جثث الضحايا”، مهمة جديدة امتهنتها بعض وسائل الإعلام العربية، إضافة لمهامها المعتادة مثل الكيل بمكيالين، والازدواجية، فكل يوم يبهرنا هذا الإعلام بخلق شيء جديد، وألفاظ دنيئة وأفعال تنافي آداب العمل الإعلامي، وتبتعد عن المهنية والحيادية، آخرها كان وقت حدوث التفجيرات في منطقة السلطان أحمد بإسطنبول الثلاثاء الماضي.
فهم مثل عرائس المسرح التي لا تكف عن الحركة، يصِلون من وافق أهواءهم، ويقطعون رحمهم مع أبناء جلدتهم ومن ينتمي لدينهم، فقد رأيناهم يتباكون وقت تفجيرات باريس الأخيرة،
ويتحدثون عن سماحة الإسلام وأنه ليس دين عنف، وأدانوا ما حدث، ووضعت الشارات السوداء على قنواتهم، وتزينت صور صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعلم فرنسا، وتزينت واجهات أبراج الدول العربية بعلمها.
اختلف الأمر تماما عند حدوث تفجيرات إسطنبول، فلم نسمع حديثهم عن إدانة التفجيرات وأنهم ضد أي عمل إرهابي وانتحاري، لم نجد حديثهم عن أن الإسلام ينبذ العنف، لم نجد أي علامة حداد، سوى إدانات رسمية قصيرة من حكومات هذه المنابر الإعلامية.
حين يفقد الإعلام مهنيّته
لكن الإعلاميين الذين فقدوا مصداقيتهم ودائما ما كانوا موجّهين حسب ما تريده لهم حكوماتهم التي دعمت الانقلاب العسكري في مصر، وبشار السفاح في سوريا، أبدوا تشفّيهم وشماتتهم بتركيا وما حدث فيها، وفرحهم بها، وقاموا بإطلاق الشتائم وعبارات السخرية، لأنها وقفت مع الحريات ودول العربي العربي، ضد قهر حكامهم.
لم يتوقف الأمر عند هذا وحسب، بل بدأوا بتحليل ماحدث في تركيا، وبأنها تحصد الإرهاب الذي زرعته ودعمته، لذلك عليها أن تذوق منه، ووصفوها بأنها راعية الإرهاب، فجنت ما رعته.
هذه الازدواجية التي يستخدمها الإعلام العربي، تزيدهم قبحا على قبح، فالإعلامي الناضج المحايد المهني، هو الذي يبقى ثابتا على موقفه، سواء مع عدوه أو صديقه، فكيف له أن ينبذ الإرهاب في موقف، ويدعمه في آخر!
بين الإعلام الغربي والإعلام العربي
اختلفت هذه المواقف عندما تناول الإعلام الغربي الحديث عن تفجير إسطنبول، حيث تناوله بكل حيادية وموضوعية، ولم تسخر من الحكومة التركية أو تشمت بها، بل أدانت ما حدث، وقالت إن من نفّذ الهجوم ينتمي لداعش التي تحاربها تركيا.
الإعلام الألماني نفسه، والذي كان ضحايا التفجير من أبنائه، لم يلق التهم على تركيا، أو يدينها، بل تناول الحدث بكل حيادية، وأدان التفجير، ودعا رعاياه لأخذ الحيطة والحذر، وأعلنت الحكومة الألمانية دعمها لتركيا في مواجهة الإرهاب.
ولكن أي إرهاب هذا الذي دعمته تركيا، فجنت ما حدث لها، على حد قولهم؟
بالنظر في أحداث تفجيرات إسطنبول الأخيرة، نرى أن من تبنى حدوثها، تنظيم داعش، كما أعلنت تحقيقات السلطات التركية عن أن منفذ التفجير سوري، ينتمي لتنظيم داعش.
جميعنا يعلم أن تركيا تحارب داعش وبنت جدارا عازلا بينها وبين سوريا لمنع تسلّلهم إلى أراضيها، فكيف إذن جنت تركيا من رعتهم، وهي تقوم بمحاربتهم!
هل يقصد إعلامنا إذن بالإرهاب اللاجئين السوريين الذين احتضنتهم تركيا، وآوتهم من بطش السفاح بشار الأسد؟ فقاموا بنكران الجميل وعمل تفجير في الدولة التي آوتهم!
أم يقصد إعلامنا بالإرهاب الذي دعمته تركيا، رفضها الانقلاب العسكري الغاشم في مصر، وفتح أبوابها للمستضعفين من المصريين الذي هربوا من القتل والاعتقال والبطش؟
أم يقصد بالإرهاب، دعم تركيا لغزة وفلسطين، ورفضها حصار غزة من إسرائيل ومصر؟
أم يقصد بالإرهاب تحالفها ضد الحوثيين والشيعة وإسرائيل والإرهاب الحقيقي في كل مكان؟؟
نريد أن يخبرنا إعلامنا عن مقصده من الإرهاب الذي دعمته تركيا فحصدته على أراضيها..
للأسف تخلى إعلامنا عن قيمه ومبادئه وأخلاقه، اتجاه القضايا التي يتداولها ويتحدث عنها، بحسب ما يوجهه نظامه القمعي، فهي اعتادت الرقص على جثث الضحايا، تبكي من يبكيه نظامها، وتشمت في من يعاديه نظامها وتعاديه.
عربي 21