أصبح الإعلام العربي مُجبراً على العزف ضِمن أوركسترا عالمية واحدة حتى وإن كان المكتوب والمبثوث مجرد نشاز نقيض لهويتنا العذراء..فكان سهلا جدا على أي إعلامي عربي أن يَشرئِب ويُطِل علينا راكباً موجات الصوت والهواء وشحنات الكهرباء.. حاملاً في جعبته العديد من الأفكار والمعلومات “المُتلونة” وأحيانا “الصريحة” ويَدلُقها في تلك الأدمغة الفارغة فيُشكل فيها خرائطاً جغرافيةً عن واقع ملموس أحيانا..، وأحيانا كثيرة عن واقع مُنطوي تحت فوهة بركان لايغطيه سوى رماد المضمون الفارغ وتزييف الوعي والحقائق وثقافة التعري والجنس وإن أردنا أن نُجمِلها في كلمة واحده هي ” ثقافة البهلوان”..!!
ففوهة البركان تلك..، واقع الويلات والحروب والانشقاقات التي تعاني منها أمتنا..، وقضية ثقافتنا الإسلامية التي تشوهت عراقتها بمفهوم الإرهاب الغاشم ظُلماً وقهراً..،الأمر الذي سعى كثيرا إلى غزو عقول أبناء هذه الأمة..، وانسلاخهم من مفاهيم الجمال والانتماء لعقيدة سامية لاتشوبها ترهات الزمان..، فعندما أرادت العقول الناضجة والأقلام النيرة أن تُفجر ذلك البركان..، سَعت كثير من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف الرخيصة بكل معنى الكلمة، في اللجوء إلى سياسة “الإلهاء”وسياسة “الفَر” والخوف والتردد..، لتبعدهم كل البعد عن لُب الواقع المُر الذي نرتمي في أحضانه ولكن لانشعر بدفء آلامه..
ففي معركة كأي معركة أخرى..، وخصيصاً هذه المعركة نحن من سيكون لهم السيادة ..،، لأن هدفنا الأسمى أن نقتل الرذيلة ونُطلق العنان للفضيلة في رحب سمائنا ..إنها معركة الحق والفيصل الحاسم؛.. لأنه ماعاد يُجدي سبات الصمت..، ولجمِ أفواهنا بلجام الانخراط بداء الاختراق الغاشم ..، فتلك الراية هناك في وسط النَقع مازالت صامدة.. ولكن إلى متى..؟.. فكل هذه خواطر تجول وتندلق في رأس كل مثقف منا.. عن لُب وصلب فكري الذي يناهض من أجل “إعلامنا العربي”.. الميت الحي..!!!
فريثما تنتظر أمتنا من السُلطة الأولى كما أسميها أنا “الإعلام” أن يكون التُرس الحامي لقضاياها والمنبر السامق الذي يُسهم في إطلاق صدىً مُدوٍّ ليُكونَ الرأي العام العالمي بطريقة لائقة تبرز عراقة وأصالة أمتنا العربية والإسلامية..، نجِدُ أن إعلامنا العربي لازال في بياتهِ الشتوي ولازال يُعاني من العقم في ضخ وتدفق المعلومات..،، بل وأيضا بات في بعض جوانبه ينتسب انتساباً تبعياً للغرب وأفكارهم المسمومة التي شتان مابينها وبين قيمنا الإسلامية الرفيعة ..،، فنُقطة الحِبر تُعكِر صفو الماء الراكد..!!
للأسف بات المثقفون منا يعانون كثيراً من أمراض الإعلام العربي وهو “التعتيم الإعلامي” على جرائم الإعلام في الإضرار بالمصالح الحيوية للأمة..،بحثاً عن المصل المضاد للحيلولة دون تفشي هذه الأمراض الإعلامية أكثر..، فبيئة الإعلام اليوم باتت مستنقعاً خصباً لتفشي هذه الأمراض بين الجماهير المُتلقية التي همها أن تكنف نفسها من ويلات الحروب، وتقلل الضغط النفسي الذي بات يُحاصرنا بمسرحية هزلية أو مسلسل فارغ المحتوى أو بصحيفة فنية رخيصة..، لاسيما أننا بتنا اليوم نعيش على فوهة بركان تكاد تنفجر في أي لحظة..، فأنا لا أذُم الترفيه الذي تقدمه وسائل الإعلام العربية بأشكالها المختلفة ..، ولكن ..، ما أوده وأرجوه هو الاعتدال في جرعات الترفيه..، وتقديم الواقع على طبق من ذهب دون خداع وتزييف وبصدق وموضوعية غير مُتناهية..
فبدأ صفحة جديدة في هذا الزخم الإعلامي ..،لابد أن يُبنى على قواعد علمية وأسس منهجية موجهة مدروسة..، فكثير منا ينحى منحى الفلاسفة في تفاسيره ومدحه بل وردحه أحيانا أخرى لِما يعترينا من فوضى إعلامية نحن السبب فيها..، فالإعلام آلة يُحركها فكر…، ومحيط هذا الفكر إن كان مخنوقاً بغبار التبعية للإعلام العالمي ..، فسوف يكون المجتمع العربي مقبرة تنتظر نعشاً يحمل الذات العربية الإسلامية إلى جحيم الانغلاق الفكري والجمود الذهني..!!
وأخيرا وليس آخرا.. إعلامنا العربي لابد أن يكون له في معترك عصرنا اليوم وفي المستقبل نصيب الأسد في “الكَـــر” لابد أن يواجه ويعرض مستجدات الأمور بصدر رحب..،، يطرح ويُناقش ويبث مابين يديه من القضايا بطريقة سلسة وبكياسة وبجرأة إعلامية فذة..، وبرونق شمولي واتصالي علمي متطور..، ويحرص على بث القيم الإيجابية لتسهم في تكوين تيارات إيجابية لدى المتلقين باختلاف ثقافتهم ..،
وهُنا سيجد إعلامنا العربي قدرة حقيقة في تدفق سيل التأثير والإقناع والتوجيه على الجماهير المتلقيه..، فكُل هذا رحم خصب لتولد بيارق إعلام عربي جديد الفكر والاتجاه ..، وهذا مانرجوه من إعلامنا العربي اليوم..وهذا ما سَوف ننتظره..
محمود معراوي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع