يعتبر المراسلون والنشطاء في سوريا هم المرآة التي تنقل الخبر للعلم بأسره، ففي بداية الثورة السورية 2011 كان النشطاء الميدانيين هم من ينقل الحقيقة عبر هواتفهم النقالة ووصائل التواصل الاجتماعي، ومع خطورة العمل الإعلامي في داخل الأراضي السورية وشبه استحالة دخول كاميرات خارجية ومحطات عالمية إلا بشكل نادر، استمر الإعلاميون الشباب في سوريا بتغطية الأحداث للمحطات والتلفزيونات وكانوا هم الوسيلة الأولى بتغطية ما يجري على الساحة بشكل أساسي حتى المحطات العالمية والعربية، ولكن عملهم كان من الخطورة الكبيرة التي أحاطت بهم من كل جوانب عملهم فالنشطاء والمراسلون والمصورون لما يجري باتوا عرضة لكل أنواع الخطر. وخاصة من النظام الأسدي وحليفه الروسي مؤخرا الذي يقصف بالطائرات ويستهدف المدنيين والمراسلين على حد سواء، وقد وثق أكثر من 144 صحافيا خلال السنوات الماضية وذلك حسب مركز الدوحة لحرية الإعلام سابقا ومراكز أخرى .
النظام السوري يستهدف الإعلاميين بشكل مستمر!
يعيش النشطاء والمراسلون خطرا داهما فهناك من يشبههم بالأبطال في ساحة المعارك يحملون هم نقل الحدث على كاهلهم وقد يدفعون ثمنا باهظا فداء لتوثيق ما يجري، وفي خلال هذا السنة قضى أكثر من عشرة شهداء خلال شهر شباط الماضي من الإعلاميين والمراسلين يأتي هذا ضمن سلسة مستمرة من الانتهاكات لحق حرية التعبير وحماية الصحفيين. ويعتبر النظام السوري هو المسبب الأول والأساسي لتهديد حياة المراسلين في سوريا حسب الإحصائيات، قبل أيام استشهد مراسل مؤسسة (إيمجز) الشاب ( أسامة جمعة) في القصف الروسي على ريف حلب، وقد حمل مؤسس شركة (إيمجز) ومخرج أفلام وثائقية ( مدين ديرية ) النظام الأسدي استهداف المراسلين بشكل متعمد.
ويقول الناشط إبراهيم النعيمي ومراسل وطن إف إم ((يتعرض المراسل والناشط دائما للخطر لأنه يكون سباقا لنقل الخبر وغالبا ما يستهدف النظام السوري والطيران كل المدنيين والعزل، ويستهدف أيضا المراسلين لأنهم يوثقون حقيقته، لقد تعرضت لإصابة لكنها كانت طفيفة والحمد لله، ولكن الطيران والقصف والقذائف مستمرة ولا تتوقف في كل لحظة)).
ويضيف نزار محمد وهو ناشط ومراسل مستقل في الغوطة بريف دمشق(( النظام دائما ما يسعى للإيقاع بالنشطاء ويضع العيون عليهم ويحاول الإيقاع بهم، وقد تعرض أصدقائي للكثير من محاولات الاغتيالات عن طريق عملاء للنظام السوري، هذا بالإضافة لخطر القذائف والقصف عندما نحاول تغطية حدث أثناء استمرار المعارك والطيران أيضا)).
ظروف معيشية وروا تب قليلة لا ترقى لعمل الإعلاميين
يعيش معظم المراسلين ظروفا مادية صعبة جدا، هذا عدا عن ابتعادهم عن أهليهم وذويهم فأغلب عائلات المراسلين في الشمال متواجدة في تركيا و قد تمر شهور أحيانا دون أن يرى أحدهم زوجته أو أمه أو أطفاله الصغار، أما بالنسبة للمناطق الأخرى في سوريا فقد يكون المراسل مرافقا لما يجري أثناء المعارك ومرابطا خارج منزله وقد لا يذهب في إجازة لمدة شهور، و رغم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم واعتماد جميع المؤسسات عليهم إلا أن أغلب الإعلاميين يعيشون وسط النار والأحداث، بظروف ربما تكون أقرب للعدم، ولا تكفي أو تغطي المصاريف الشخصية، أضف على ذلك من هو مسؤول عن عائلة كاملة وأحيانا عائلتين حيث يتراوح حسب ما أشار أغلب الناشطين والإعلاميين أن رواتبهم أحيانا لا تكفي احتياجاتهم الأساسية، ومنهم من يتقاضى لقاء عمله لأكثر من أربع عشرة ساعة مع المؤسسات الداخلية ل((60)) دولار!، ويضيف الناشط النعيمي (( أنا مرتاح لحد ما مع المؤسسة التي أعمل لصالحها، وراتبي هو للحاجيات الرئيسية ولكنها قد لا تكفي أبدا في ظل الظروف الراهنة)) .
أما الناشط سيف الجنوب كان يغطي الأحداث قبل سفره لتركيا وكان يجلس لشهور وهو ينقل ما يحدث دون أن تعرف أمه عنه أي خبر(( كنت أعمل مع فصيل عسكري كإعلامي، وأغطي أخبار المعارك وكنت ناطقا باسمهم ولن أقول اسم الفصيل حاليا، ولكن العمل كان مضنيا وكنت أعلم أني قد لأعود إلى بيتي وكان هناك استغلالا من قبلهم لعملي معهم، وقد انفصلت عنهم وأصبحت ظروفي المعيشية بسبب عملي صعبة ولهذا توقفت وقررت السفر إلى تركيا علني أجد عملا مناسبا، أنا الآن أيضا وحيدا أعمل بعمل في محل صغير للكومبيوتر، بعيدا عن أسرتي وأشتاق لهم كثيرا.))
مناطق المعارضة بيئة مناسبة لاغتيال الإعلاميين !!؟؟
في الواقع وخلال خمس سنوات قد تحورت الأحداث وتحولت لغير مسارها، وأصبح هناك الكثير من الفصائل والجهات المسيطرة على الساحة السورية، ولربما يقع الكثير من الإعلاميين ضحايا للبعض من تجار الثورة و الأطراف التي لا تريد توثيق ما يحدث، فلكل طرف من الأطراف أجنداته وسياسته التي قد تأتي وتصب في مصلحة وقد لا يريد توثيقها ويعلم أن الحقيقة قد تفضح بعض هذه الأجندات، وأصبحت سياسة كم الأفواه من جديد سيدة الموقف أسوة بقمع النظام الأسدي في المشهد الإعلامي في أغلب المناطق، الناشط باسل أيوبي يحكي قصة محاولة اختطافه من قبل عناصر تنظيم الدولة واختطاف زملاؤه وقتلهم (( كنت في طريقي من حي الشعار إلى حي الكلاسة وقد نزلت عند دوار يدعى دوار الجسر،تعرضت حينها لمحاولة اختطاف ولكني استطعت الهروب بسرعة والخروج للطريق العام، ولكن أصدقائي تعرضوا للخطف من قبل تنظيم الدولة وهم مراسلين وإعلاميين في قناة شدا، وذلك عندما اقتادوهم من المكتب وكانوا 9 أشخاص من المراسلين والنشطاء، وقتلوا منهم خمسة رميا بالرصاص، و كان ذلك يوم مجزرة مشفى العيون، في الشهر الأول من عام 2014 وبعد ذلك عاد منهم ثلاثة فقط)).
يروي الكثير من الإعلاميين محاولات لا تنتهي من التهديدات ومحاولات الاغتيال ويعتبرون مواقفهم وعملهم كفيل بأن ينهي حياتهم على يد كل من لا يرضى أو يمانع عملهم. عبد الرحمن خطيب، إعلامي ومدير مكتب بنش سابقا يحكي عن الانتهاكات الكبيرة التي مورست عليه ومحاولة اغتياله وتهديده العلني والسري من قبل بعض الفصائل التي لم ترضى عن عمله (( كنت أعمل على تغطية معارك جيش فيلق الشام لأكثر من ثلاث سنين، وأصبت في ساقي من قبل الطيران الأسدي وأنا أما رس عملي كمراسل، ولكن الأمور لم تقف هنا فالنظام بات أرحم بكثير ويبدو أن بعض الفصائل باتت تعمل على مصلحتها، الخاصة، أنا خارج سوريا في ألمانيا بعد عملي الحر ومحاولة صد الطغيان، لم يقبل من دخل بالثورة كالسوس ونخر عظامها أن أنقل الحقيقة، تعرضت لإصابة مفصل يدي من الكوع وذلك كان من قبل اشتباكات بين فصيلين معارضين وتمت إصابتي وكانت زوجتي معي عندما أصبت في منزلي، أنا أتعرض للتهديد دائما، ثمنا لكلمتي وعدم سكوتي عن الخطأ والانتهاكات التي تجري على يد متسلقي الثورة، الثورة التي خرجنا لأجلها ضد الظلم والطغيان ولم ولن نرضى أن تقتل على يد هؤلاء،
ولكني لم أسافر لأني جبنت أو خفت لقد سافرت لأني أشعر بأن الثورة والإعلام الثوري الحقيقي بات بآخر الصف )).!!
ماذا عن المؤسسات الإعلامية
ومهنيتها بالتعامل مع الإعلاميين؟
لا بد أن المؤسسات الإعلامية التي عمل مع الإعلاميين في سوريا على اطلاع أكيد بالخطر المحدق التي يتعرض له المراسل وقد صنفت سورية كأخطر بلد على حياة الصحفيين في العالم، خلال الثلاث أعوام السابقة، ويتبادر في الحديث عن وضع المؤسسات الداخلية مدى التزام المؤسسة تجاه الإعلامي من حيث تأمين المعدات لسلامته ومحاولة تغطية تكاليفه والمهنية في التعامل معه، ولكن يبدو أن الوضع في سوريا مختلف تماما عن العمل في كل بقاع الأرض، فمعظم المؤسسات الداخلية تعتمد على التمويل من المنظمات والتي لا تغطي ربع احتياجات العاملين أما بالنسبة للمؤسسات الكبرى فقد يكون هناك اختلاف ولكنه يبقى ضمن المحدود حسب ما يشير أغلب الإعلاميين، إبراهيم عمر مراسل مستقل ويعمل حاليا مع شبكة الجزيرة ، وقد تعرض قبل العمل معها لصعوبات وطعنات حسب تعبيره من قبل المؤسسة المسؤولة التي كان يعمل معها((أعمل الآن مع شبكة الجزيرة بشكل مستقل وهناك عقد ملزم بيننا، ولكن بحسب العقد أنا المسؤول عن المعدات وكل شيء، ولكني لحد ما مرتاح حاليا بالتعامل على عكس عملي مع موقع معروف، و الذي طردني بشكل تعسفي بعد عملي لشهور طويلة معه، وذلك لأني حاولت تحسين وضعيي ي المالي وإيجاد عمل يرافق عملي معه وعندما جاءت الموافقة بعملي مع الجزيرة، كنت قد طردت لأن عملي مع الشبكة لم يعجب القائمين فقاموا بطردي أنا ورفاقي طردا تعسفيا وإلغاء عملنا بشكل مجحف، وإلغاء مستحقاتنا مع الموقع وهو موقع شهير جدا وله تمويلات خارجية )).
مافيات تحكم بعض المواقع والمؤسسات الثورية ؟؟
في الواقع لم يقتصر التقصير بحق الإعلاميين على الإجراءات التعسفية والطرد، بل قد تعدى ذلك على ما وراء وأبعد من ذلك بكثير، فيبدو أن (المافيات) الصحفية باتت هي المتحكم الأكبر في بعض وسائل الإعلام، وتتلقى أوامرها من جهات عليا ودول كبرى، وأصبحت المواقع واجهة للتدخل في السياسات وأحيانا في التدخل بالأمور السرية لبعض ألأشخاص، تماما كعمل الاستخبارات بعيدا عن الحياد والمهنية، فمن محاولات الطرد الإجباري إلى التهديدات المبطنة أو الصريحة بالتصفية وأذى الإعلاميين لدى مطالباتهم بمستحقاتهم أحيانا، الإعلامي سامر دحدوح أحد الإعلاميين الذين خرجوا ليوثقوا كل خبر و حدث منذ بداية الثورة، قد انتهى به الحال مؤخرا للعمل في تحميل مواد البناء ( عتّال) في تركيا، وكان ولمدة خمس سنوات يتنقل من موقع لآخر وكان يعمل لدى العديد من المؤسسات، المحلية والعربية وعمل في موقع كان من مؤسسي مقره في تركيا يقول سامر (( لقد خرجت منذ أوائل الثورة لتغطية كل شيء ضد النظام، نحن من صنع الثورة، ولقد انتهي بي المطاف بلا عمل، خمس سنوات من العمل الإعلامي في الكثير من المواقع، ولقد أصبت أكثر من مرة في مناطق مختلفة من جسمي، وتعرضت للاستهداف من قبل النظام السوري، ولكني لم أتوقع أن أطرد من موقع كنت من مؤسسيه، وبعد عملي طردت طردا تعسفيا ومنعت من المطالبة بحقي، وتعرضت للتهديد بالقتل والتصفية إن استمريت بالمطالبة وفضحهم عبر وسائل الإعلام، موقعا ممول خارجيا تحكمه المافيا، من ذوات أصحاب المقام الرفيع)).!!
حقيقة تعكسها عدساتهم وكلمتهم !!
يرى الكثيرون أن العمل الإعلامي هو الشباك الذي يبصر به الشعب السوري بصيص أمل أن يصل صوتهم وحقيقة ما يجري، ولن يعرف العالم الحقيقة إلا من خلال النشطاء الشرفاء، والذين آثروا الوقوف بالخط الأول وجها لوجه مع الموت، العمل الإعلامي الذي بات هو والثورة السورية توأمان لا يختلفان في إظهار واقع ما يجري ونبذ الانتهاكات التي تمارس على الساحة السورية سواء على المدنيين أو الإعلاميين، حقوق كثيرة لم يحصل عليها الإعلاميين في سوريا وأهمها معدتا الأمان والعمل الذي يجب أن يكونك كفيلا بالعيش الكريم لحد ما في ظل هذه الظروف، إن معاناة النشطاء كبيرة ولا تنحصر بزاوية معينة أو خطر واحد، ومن أهم معايير العمل بمهنية والتزام أخلاقيات المهنة التي يجب أن تكون هي عدم انتهاك المؤسسات واستغلالها للناشطين والمراسلين كأغلب المواقع والمحطات، يضيف المراسل إبراهيم عمر (( هناك قسم كبير من الوكالات هم مراكز دراسات بين قوسين، يعني استخبارات أكثر مما هي إعلامية و بسبب حاجة الناس بالداخل و بسبب الفقر المدقع استطاعوا يخترقوا الثورة و من أوسع أبوابها و اخطر سلاح فيها استطاعوا يمتلكوه بسبب العوز للناس بالداخل، هناك وكالات أجنبية تنسب الخبر لنفسها وتسرقه من الناشطين الذين يعرضون حياتهم للخطر وليس ذلك فقط بل قد تزور الحقيقة وتعكس الخبر تماما كما فعلت البي بي سي عندما نقلت خبر قصف الطيران الروسي لحلب على أنه لمناطق تابعة للنظام)).
ربما قد يتمكن كل هؤلاء من قول كلمتهم يوما بلا خوف أو خطر، في مجتمع يؤمن بالكلمة ينتظر الكثير من الإعلاميين الشرفاء فرصة لحرية الكلمة التي خرجوا لأجلها، ويتمنون يوما أن ترى عدساتهم وحروفهم نور الحرية في الإعلام في سوريا جديدة، وأن توثق كاميراتهم الكثير من الفرح عوضا عن مظاهر الدماء والدمار، ويبحث كل منهم عن فرصة أو مظلة إعلامية هادفة تلتزم بمواثيقها تجاه حقوقهم كما نصت كل المواثيق لحرية التعبير والصحافة الهادفة والغير مسيسة لأي جهة كانت، فقط ما يهمها توثيق الحدث والوقوف على الحياد التام .
المركز الصحفي السوري – زهرة محمد