يبدو أن إمكانيات الفصائل العسكرية فشلت في امتحان الإدارة الاقتصادية لتلك المناطق، كما أنها لم تتمكن من استثمار الأدوات الاقتصادية الموجودة لديها.
وبالمقابل لا يوجد أي أجندة اقتصادية واضحة، فالاتفاق الحاصل بين الكتائب المقاتلة هو عسكري فقط وليس بالضرورة اقتصادي، وهناك تشابك في المصالح بين أمراء الحرب، ظهر جلياً خلال أزمة المازوت والبنزين وارتفاع أسعارها الكبير. وعلى الرغم من توفر المحرقات والسلع من تركيا، إلا أن المشكلة التي ظهرت تكمن في صعوبة تحديد الجهة المناسبة من الفصائل أو الإدارة المدنية التي سوف تتولى عملية الاستيراد والتوزيع والتسعير.
تم الاتفاق عسكرياً فقط بين الفصائل، ولم يتم بعد وضع أي أجندة اقتصادية، ويبدو أن الإدارة الاقتصادية للشمال المحرر سقطت في امتحان المحروقات والأسعار، بحجة أن استمرار القصف وانقطاع الطرق يعيق كل شيء.
وبقي المواطن في تلك المناطق يصارع بمفرده أمام شح المواد الغذائية والغلاء وشجع التجار، ونار الاشتباكات وانقطاع طرق الإمداد والنقل. تلك الصورة المؤلمة تكتمل فصولها عندما لا يجد المواطن عملاً أو مصادر للدخل.
هذا الواقع دفع جيش الفتح لتشكيل لجنة اقتصادية تتولى تسيير الأمور الاقتصادية والمعيشية في الشمال المحرر خلال الأيام القادمة.
الرؤية قاصرة
ويرى الصحفي والخبير، غسان ياسين، أنه لا يوجد أي أجندة اقتصادية واضحة المعالم من قبل المجالس المحلية وحتى الفصائل العسكرية، ومنذ تحرير البلدات وأجزاء من المدن الرئيسية لم تستطع كل القوى المدنية الناشئة كالمجالس المحلية ومجالس الأحياء من وضع سياسة اقتصادية تستطيع بموجبها تنفيذ خطط لإدارة الموارد ولتنفيذ مشروعاتها ولتكون قادرة على تلبية الحاجات الخدمية وإدارة المرافق والمنشآت العامة.
وأضاف ياسين في حديث لـ “اقتصاد” أن المعوقات كثيرة, أهمها عدم تعاون الفصائل العسكرية في هذا المجال، إذ حاولت القوى العسكرية أن تفرض رؤيتها لإدارة المناطق المحررة, وهي بالطبع رؤية قاصرة، وطبعاً لا ننسى براميل النظام وصواريخه.
وأوضح ياسين أن القصف كان له أثر سلبي كبير حيث هجر أغلب سكان مدينة حلب المحررة منازلهم بسبب القصف اليومي المتواصل، وفي الريف أيضاً، وهذا ما حصل في مدينة إدلب بعد تحريرها، حيث عمل النظام على تدمير نصف أحيائها بالبراميل مما أدى إلى نزوح عدد كبير من سكانها وتعطيل شبه كامل للمرافق العامة.
وعن الوضع الحالي للصناعة والزراعة، أشار ياسين إلى أن حلب أكبر مدينة صناعية في سوريا وكانت لفترة طويلة تحت سيطرة المعارضة، لكن للأسف كل محاولات إعادة الحياة لمصانعها باءت بالفشل، إلا أنه رغم كل المعوقات ظهرت في حلب، في فترة ما قبل حملة البراميل، طفرة اقتصادية في المناطق المحررة، حيث افتتحت الأسواق والورش، والمصانع الصغيرة كلها عادت للعمل، وكانت تجربة قصيرة لكنها مثيرة للاهتمام، توقفت لاحقاً بعد حملة البراميل العنيفة.
وتابع ياسين أن وضع الزراعة ليس بأحسن حال من الصناعة، هناك تخبط كبير ومعاناة في تصريف المحاصيل، عدا عن جرائم حرق الأراضي من قبل النظام وتنظيم “الدولة” معاً، في مناطق الشمال.
الخدمات المقدمة بالحد الأدنى
ياسين أكد أنه لا يوجد دعم مقدم بشكل مباشر في المناطق المحررة من قبل الهيئات الرسمية بسبب ضعف الإمكانات المادية، وهناك جهود لجمعيات خاصة أهلية تقدم معونات لبعض المحتاجين وذوي الشهداء, لكنها أيضاً تواجه صعوبات أهمها ضعف التمويل مقارنة باالاحتياجات.
وعلى صعيد الخدمات، بيّن ياسين أنه هناك بعض الخدمات المقدمة لكن بحدها الأدنى, مثل الكهرباء والماء والنظافة وهي تواجه صعوبات كبيرة حتى أنهم لا يستطيعون دفع رواتب للموظفين، الأمر الذي أدى إلى توقف هذه الخدمات كما حصل مع الدفاع المدني.
وفي سياق متصل قال الناشط الميداني إبراهيم إدلبي أن: “أسواق شهر رمضان المبارك شهدت ارتفاعات كبيرة بالسلع وخصوصاً للمواد الغذائية والمحروقات بسبب انقطاع طريق الإمداد من المنطقة الشرقية”.
وأضاف أن: “أغلب المحاصيل الزراعية حُرقت بسبب الألغام البحرية والقذائف، وأكثر من 75% من المحاصيل حُصدت قبل أوانها خوفاً من أن تُحرق، ومن أكثر المناطق تأثراً بالحرائق، ريف إدلب الجنوبي، وأجزاءً من سهل الغاب”.
يشار إلى أن أسعار المحروقات في الشمال السوري المحرر وصلت إلى أسعار خيالية وفق الناشطين، من ذلك: ليتر بنزين نظامي بـ 550 ليرة، ليتر بنزين عسكري بـ 450 ليرة، ليتر مازوت نظامي بـ 400 ليرة، ليتر مازوت مفلتر بـ 350 ليرة.
وارتفع سعر البنزين في بعض المناطق إلى 800 ليرة، فيما وصل سعر أسطوانة الغاز إلى 6800 ليرة، ووصل سعر ربطة الخبز إلى 150 ليرة إن وجدت، إضافة إلى غلاء أسعار الكهرباء.
أما في مناطق سيطرة النظام بحلب لم يطرأ أي تغير على أسعار السلع الأساسية أو المحروقات.
تدهور اقتصاد المناطق المحررة
يذكر أن المناطق المحررة تعتمد بنسبة 90% على المواد الغذائية والسلع القادمة من تركيا، إلا أن استمرار القصف وتقطع السبل بين المناطق وحصار تنظيم “الدولة” والنظام، عوامل ساهمت في تدهور اقتصاد تلك المناطق الأمر الذي أرهق المواطن.
ويعتمد السواد الأعظم من السكان على إدارة المشروعات الصغيرة، إضافة إلى المهن والحرف اليدوية، والمساعدات الإغاثية التي انخفضت إلى النصف.
سمير طويل – خاص – اقتصاد