على امتداد ساعة ونصف ساعة قدم الأخضر الإبرهيمي عرضاً متناثراً عن مسيرته الديبلوماسية التي شهدت محطات كثيرة، من حل مسألة الفصل العنصري في جنوب افريقيا الى استعصاء التسوية في سوريا مروراً بوساطته لحل الأزمة اللبنانية، وصولاً الى مهمته في افغانستان التي لم تكن أفضل من غيرها.
أمام حشد من الحضور بينهم رئيسة ليبيريا والرئيس ميشال سليمان وفي إطار “المنتدى الرابع للاتصال الحكومي” الذي نظمته امارة الشارقة، لم يقدّم الديبلوماسي المخضرم أي تفصيل جديد يمكن ان يعطي الديبلوماسية الأممية أي حيثية او صدقية تذكر، كانت مقاربته لشريط الأزمات كافية لتدفع المرء الى التأمل في الوقائع الفاجعة التي تعصف بالمنطقة العربية، واستطراداً في مدى عجز تلك الديبلوماسية عن وضع الحلول واستنباط المعالجات.
الحديث عن الديكتاتوريات العربية التي أدت الى قيام مسلسل الثورات التي تصورها البعض ربيعاً فكانت شتاء دموياً ساحقاً، ذكّرني وأنا استمع الى الابرهيمي بالفشل الأدهى لمنظمة الامم المتحدة ومجلس الأمن، فقد كان هو مبعوثاً اممياً في سوريا بدأ في آب من عام ٢٠١٢ ما سمّاه يومها “مهمة مستحيلة” في حديث الى “B.B.C”، واستقال في ٢٥ نيسان من عام ٢٠١٤ بعدما تحوّلت سوريا مقبرة مدمّرة.
الإبرهيمي ورث فشل كوفي انان الذي ورث من قبله فشل “المبادرة العربية” والمراقبين العرب ثم الدوليين، وخلفه دو ميستورا غارق في الفشل الى أذنيه ليس لأن مهمته تقلّصت من حل ازمة سوريا الى محاولة وقف النار في حلب، بل لأنه لا يملك سوى تلك الخريطة التي يشهرها امام المصورين والتي لن تحقق التهدئة في حلب، ولهذا لا أتردد في القول انهم ساروا تباعاً على طريق “يا حصرماً “، بينما يواصل الثعلب سيرغي لافروف لعبته التي يعرف الايرانيون كيف يجيّرونها لحسابهم!
قول الابرهيمي ان الامم المتحدة ومجلس الأمن لا يستطيعان فعل اي شيء ما لم تتفق اميركا وروسيا، لا يشكل اكتشافاً لفشل الديبلوماسية الأممية، ففي ليبيا يعاني برناردينو ليون من دون التوصل الى أي نتيجة، وفي اليمن عانى جمال بن عمر وكانت النتيجة اسقاط الحوثيين “الحل اليمني” ثم تدمير “اتفاق السلم والشركة” بعد يومين من إعلانه!
على هذا الأساس الامم المتحدة اشبه بمظلة ديبلوماسية ممزقة، لأنها لا تستطيع ان تفعل شيئاً اذا لم يتفق الكبار، الذين ليس من مصلحتهم ان يتّفقوا اصلاً، لا بل ان وقائع الأزمة المتفاقمة والمتداخلة الممتدة داعشياً بين العراق وسوريا، تكشف في خلفياتها وجذورها ما يتلاقى مع المصلحة الاميركية… وعندما يقول الابرهيمي ان سياسات اميركا في العراق كانت في أساس مسببات ظهور “داعش” فانه لا يكتشف البارود!
النهار
راجح الخوري