أعلنت فرنسا تأجيل المؤتمر الدولي الذي خططت لإقامته من أجل فلسطين إلى مطلع يونيو القادم. وما أعلنت فرنسا أسباب التأجيل، وإنما كان واضحاً أن السبب يعود لامتناع إسرائيل عن الحضور، كما صرّح رئيس وزرائها نتنياهو مراراً. وقد قيل إن الأميركيين أيضاً ليسوا متحمسين للمؤتمر، لسببين: الأول عدم إغضاب إسرائيل. والثاني أنهم لا يريدون أن تلعب فرنسا دوراً احتكروه لأنفسهم طويلاً. وكانت الدول العربية قد رحّبت بالمؤتمر، ووافقت عبر الجامعة العربية على حضوره. أما الصحافيون الدوليون، فيستبعدون انعقاد المؤتمر؛ لأنّ أحداً لا يستطيع الضغط على إسرائيل باستثناء الولايات المتحدة. وقد أعلن وزير الخارجية الأميركية “كيري” أخيراً أنه سيحضر مؤتمر 3 يونيو.
وإذا كانت إسرائيل طرفاً رئيساً في القضية الفلسطينية، فإنّ القضايا الأُخرى كلها عربية بحتة؛ وأقصد قضايا الحلول التفاوضية في كلٍ من العراق وليبيا وسورية واليمن. ففي العراق، تشتعل الأزمة السياسية، وتتفاعل بعد أن انتقل الصراع إلى داخل التحالفات الشيعية. فقد خضع رئيس الوزراء العراقي لضغوطات المتظاهرين الصدريين، واقترح حكومة تكنوقراط من خارج نظام المحاصصة السائد منذ 2003. وأثار ذلك حفيظة المالكي والفرقاء الشيعة الآخرين. وهذا فضلاً عن انسحاب الأكراد، وتضاؤل النفوذ السياسي السني. والطريف أن الإيرانيين المتحكمين بمفاصل المشهد، أخذوا مقتدى الصدر لعندهم، ويُصرُّون على العودة إلى نظام المحاصصة، الذي أمّن لهم التحكم بالمشهد طوال حقبة المالكي (8 سنوات). وقد ينجح البرلمان العراقي في الانعقاد لتُعْرضَ الحكومةُ الجديدة عليه، لكن المشروع برمّته ربما يكون قد أُجهض لأنّ إيران لا توافق عليه!
وقد بدا لأول وهلة بعد اتفاق الصخيرات وظهور حكومة السرّاج الليبية، أن المشهد يتجه للانفراج بدعمٍ دولي واضح. بيد أن عودة الصراع بين غرب ليبيا وشرقها، يجعل من شبه المستحيل أن تستطيع حكومة السراج الإقلاع، بعد ظهور إجماع في الشرق الليبي ضدّها، هذا فضلاً عن عدم ثبات أقدامها بالغرب الليبي، حيث توجد الميليشيات في كل مكان. ويحاول الطرفان إثبات جدارتهما بالإعلان عن العزم على مقاتلة “داعش” وإخراجه من سِرْت. وما أمكن لأي منهما حتى الآن إثبات فعاليته في مواجهة “داعش”. فالمشكلة مزدوجة: مشكلة “داعش” التي تتمدد، دون أن يستطيع أيٌّ من الطرفين مواجهته، والانقسام العميق بين الغرب والشرق الليبيين، حيث تسيطر في كل جهة فئاتٌ صارت لها مصالحها المترسخة.
والمشكلة السورية أكبر من كل الأزمات العربية بالمنطقة. فبينما يعلن دي مستورا تفاؤله بإمكان العودة إلى جنيف قريباً لمتابعة التفاوض، يظلُّ الطرفان، الحكومة وخصومها، يتحركان عسكرياً على الأرض في حلب وجوارها وبجوار دمشق. ومن وراء الطرفين قوىً إقليمية ودولية لا تقبل بالحل إلاّ إذا تيقنت أنه سيكون لصالحها. والمقصود إيران وروسيا إلى جانب النظام، وتركيا والسعودية وقطر إلى جانب الثوار. الإيرانيون شديدو المرارة بعد الخسائر التي أصابتهم بحلب، وهم لا يستطيعون التحرك إلا بموافقة الروس. ولذا فعندما اجتمع الدوليون الداعمون للحل، ما كانت النتيجة غير الإصرار على إدخال المساعدات الغذائية والطبية للمحاصَرين. وهذا فضلاً عن تزعزع وقف إطلاق النار في جهات عدة.
والمفاوضات حول اليمن، الدائرة بالكويت منذ قرابة الشهر، ما حققت تقدماً، وجرت نقاشات تكاد تتطابق مع ما كان عليه الأمر في اللقاءين الدوليين السابقين، ولقاء القوى المحلية أو بعضها بين عُمان وجنيف. ورغم توقف القصف الجوي من جانب قوى التحالف العربي، فإن الحل باليمن لا يبدو أنه يملك أفقاً معتبراً.
معنى هذا كله ثلاثة أمور؛ الأول أنه لا يتحرك أحد لمحاولة صنع الحلول المُعيدة للاستقرار غير دول مجلس التعاون الخليجي. والثاني أنه في كل هذه البلدان ظهرت جماعات وفئات خلال السنوات الماضية نمتْ لها مصالح ليست مستعدةً للتخلي عنها. والثالث أن الدوليين منقسمون إزاء كل هذه المشاكل، رغم صدور قرارات دولية بشأنها.
فإذا لم تكن الآفاق مسدودة بالمطلق، فالذي يدركه الجميع أنه في ظل هذه الظروف تبقى الحلول صعبة جداً!
الاتحاد