يوما بعد يوم, تثبت الوقائع السياسية والأحداث الميدانية حقيقة الارتباط الوثيق بين الأنظمة العربية الديكتاتورية أو فلولها ومخلفاتها من جهة, وبين الدول الكبرى ذات المصالح الإستراتيجية القريبة والبعيدة منها في منطقة الشرق الأوسط تحديدا من جهة أخرى.
لو فرضنا جدلا أن مسيرة الأحداث الجارية في المنطقة العربية هي مسيرة ذاتية وليست “مبرمجة” بالدقة المطلوبة من قبل تلك الدول ذات المطامع الاستعمارية الجديدة, لوجدنا أن تلك المسيرة قد تكون مسيَّرة وفق مراحل آنية و مؤقتة ضمن إطار عام أو دائرة ضيقة يُسمح من خلالها للأنظمة الديكتاتورية العربية باللعب ضمنها ويُحرم عليها تخطي حدودها بصورة منفردة ومستقلة.
تسمح هذه الإدارة المؤقتة للأحداث من قبل تلك الدول الاستعمارية, بتبديل مواقف واستعارات للأقنعة بالشكل الذي يعيد بناء تحالفات مرحلية جديدة بما يخدم مصالحها بالشكل الموسع, ومصالح تلك الأنظمة الديكتاتورية بالشكل الضيق, بحيث يبدو الأمر شبيها جدا بقواعد وقوانين لعبة “الشطرنج”,فتقوم تلك الدول الكبرى بتحريك أدواتها في المنطقة بالشكل المطلوب.
ولكن السؤال: ما هي المعايير الخاصة التي تحدد دور الأداة المستفيدة والمفيدة؟!.
توجد معايير عديدة لذلك, وقد تكون واضحة أو مخفية, ولكن المعيار الأول دائما, هو معيار الحماية والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي, إلى جانب اختلاف الوزن الإقليمي والدولي للدولة الداعمة والمدعومة.
لذلك نفاجأ اليوم بالرفض الإيراني للرغبة الروسية باستخدام قاعدة “الهمدان” الجوية لضرب الأراضي السورية, لأن الدولة الإيرانية تدرك جيدا القيود المحددة لعلاقتها بالحليف الوثيق روسيا, وأنها طرفا أساسيا في ذلك الحلف وليست أداة صغيرة بالصورة التي تحد من وزنها وحجمها الإقليمي, على عكس النظام السوري الذي تحول إلى أداة رخيصة ومطية واضحة للدول الداعمة لوجوده, فقام بالتنازل عن جميع مبادئ السيادة الوطنية التي كان “يتغنى” بها وعلى مدار سنين طويلة, فقدم الأرض والجو لحشود المليشيات الطائفية وأسراب الطائرات الحربية لتحقيق مشروعه الضيق بالبقاء والمشاريع الداعمة له بالهيمنة.
والآن يدرك الرئيس اليمني المخلوع “علي عبد الله صالح”, هذه القاعدة جيدا, فيفاجئنا اليوم بتصريحاته “نقلا عن وكالة الأناضول” المستجدية للدعم الروسي الكبير, على خطا ما فعله نظيره السوري “بشار الأسد” من قبل, وقد أعرب “صالح” عن استعداده لمنح روسيا كل التسهيلات في القواعد العسكرية والمطارات والموانئ اليمنية, من أجل ما أسماه “مكافحة الإرهاب”.
إذن يبدو أن العلاقة الرابطة بين بقايا الأنظمة العربية الديكتاتورية وبين الدول الاستعمارية الداعمة “روسيا”, هي علاقة تقوم على مبدأ التنازلات الكبيرة والبيع والشراء, حتى ظهرت تلك الأنظمة بمظهر الأداة الرخيصة التي لا ترى أبعد من حدود منظار مصالحها الضيقة, وقد عرّت هذه العلاقة مزاعم تلك الأنظمة بأنها دولا محورية في المنطقة وتشكل حلقة الوصل الأساسية التي تربط العديد من الملفات الساخنة في المنطقة, وفي النهاية نقول هل نفاجأ غدا بمواقف جديدة لحكومات عربية جديدة, على غرار مواقف الاستجداء الصريحة من النظام السوري وبقايا النظام اليمني, ربما.. فالخارطة السياسية على صعيد التنازلات لا حدود لها!!
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.