بقلم الكاتب “محمد فخري جلبي”
لن نجد كم من الخداع يرقى إلى مستوى آليات السياسات الغربية تجاه القضايا أو النزاعات العربية، وبمنعى آخر يسعى الساسة الغربيون إلى تسميم العلاقات العربية العربية تحت مايسمى التعاون المشترك من أجل حل قضايا الشرق الأوسط !! ولكن في الحقيقة يعتبر تدخل تلك الدول بالشؤون العربية المثير الكيميائي لتفاقم تلك المشكلات ونموها .
وفي حين دعا البرلمان الأوروبي هذا العام إلى تشكيل #محكمةجنائيةدولية خاصة بالعراق وسوريا من أجل “التحقيق في #جرائمالحرب التي ارتكبتها كافة الأطراف” وضمان محاكمة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم التي تحت طائلة #القانونالدولي ، أعتقد بأنه يمكننا الحديث الآن عن إدراج أسماء القادة الغربيين ضمن تلك القائمة السوداء لمرتكبي الجرائم ليتم محاسبتهم عن دورهم المريب في نشوب تلك الحروب وذلك على خطى أجدادهم القدامى !!
وكما قال أبن سينا “ابتلينا بأقوام يزعمون بأن الله لم يهدي سواهم”، يمكننا نحن القول بأننا ابتلينا بأنظمة غربية مشكوك بغاياتها تمارس أفظع حملة مسعورة ضد أوطاننا الضعيفة بعد أن تمكنت من زرع عملائها على سدة قيادات تلك الأوطان .
ولن يذكر التاريخ أبرع من أنظمة الدول الغربية بالرقص على أنقاض الشعوب العربية إلى يوم القيامة .
واستنادا إلى تلك المقدمة القصيرة يمكننا تفسير الانعطافات الحادة بمسيرة عربة سياسات الدول الغربية نحو مقرات الأنظمة الدكتاتورية العربية وتأتي تلك التحركات في خضم هواجس تلك الدول بإبقاء الشعوب العربية داخل حظائر الأنظمة القمعية إلى الأبد .
وفي حين يصرح دبلوماسيون أوروبيون إن بعض دول الأتحاد الأوروبي التي سحبت سفراءها من سورية تشير في أحاديث خاصة إلى أن الوقت قد حان لمزيد من التواصل مع دمشق ، يواظب الأسد معركته الدموية كغيره من القادة والملوك العرب وذلك على أعقاب رغبة الدول الغربية بأخضاع الشعوب الثائرة إلى أشد أنواع العقاب لاعتناقها أفكار ثورية تفضي إلى قلب موازين الحكم المدعومة من قبل تلك الدول .
يلزمنا الكثير من الثقافة والوعي لإدراك أسباب تعاطي الدول الغربية مع الملفات العربية وفق معايير مزدوجة ، ما من شأنه أن يجعل الشرق الأوسط مستدام الاضطرب وبؤرة صراعات يمكن تلك الدول بفرض رؤيتها دون قيد أو شرط .
ولكي لانخلط المفاهيم ونتحايل على الواقع والتاريخ السياسي ونتهم بالعداء اللامبرر تجاه الغرب ، ينبغي علينا تسليط الضوء نحو معضلة عربية استدعت تصادم آراء تلك الدول فيما بينها واستمرارها بالفراغ السياسي تجاه تلك المعضلة ( الدموية) وممارستها خلف الكواليس أدوارا تناقض مجمل تصريحاتها وتدحض بالغ قلقها تجاهها .
“الأسد أو نحرق البلد” !! لعل ذاك الشعار النازي لم يخلق من فراغ ، كما أن تلك العواصف الانتقامية بحق الشعب السوري جاءت نتيجة السموات الغربية المفتوحة أمام بطش الأسد .
فمنذ بدء الأزمة السورية لم تقدم أي من الدول الغربية رؤية حقيقة نابعة عن نوايا صادقة يمكن التعويل عليها من أجل الخروج بالسوريين من مستنقع الدماء بأقل الخسائر ، بل و على العكس قامت تلك الدول بانتهاج خطاب منفعل ومتشنج ضد الأسد في حين أبقت على شعرة معاوية مع نظام دمشق
من خلال الاتصالات السرية وتفعيل أنماط المماحكات المملة ودعوة جميع الأطراف المتناحرة إلى خوض غمار مباحثات عبثية لاتفضي إلى أي نتيجة .
وضمن ذات السياق ،
تتسابق معظم الوفود الغربية الرسمية إلى زيارة الأسد ممايعكس نوايا تلك الدول تجاه الأزمة السورية متجاهلين كلية الأسباب التي دفعت بالشعب السوري بالمطالبة بالانعتاق من نظام العبودية .
حيث استقبل الأسد بتاريخ 4 سيبتمبر عام 2016 وفدا بريطانيا يضم أعضاء في مجلسي اللوردات والعموم ورجال دين وأكاديميين ، ومن جانبهم أكد أعضاء الوفد البريطاني أنهم بزيارتهم إلى سورية ولقائهم بالكثير من السوريين مسؤولين ومواطنين سيتمكنون من نقل الحقيقة والعمل على تصحيح الرؤية الخاطئة لدى الحكومة البريطانية !!
وقد ذكرت وسائل إعلام مقربة من النظام السوري في ذات العام خبر زيارة وفد أمني إيطالي برئاسة مدير الأستخبارات لدمشق، “تمهيدا لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، وتعهد الوفد الإيطالي بمحاولة إحداث خرق يمهد لتطبيع أوروبي سوري قريبا وتبع ذلك اللقاء زيارة وفد البرلمان الأوروبي برئاسة خافيير كوسو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان للعاصمة السورية التي أستمرت يومين، والتقى خلالها بشار الأسد .
وفي ضوء تلك الزيارات يمكننا فهم المنطق السائد بين المعلقين السياسيين والذي يفترض أن الغرب مجبر على التعامل مع الدكتاتوريين العرب لأنهم الوحيدون القادرون على وقف تمدد الإسلاميين المتشددين. وهكذا، فهم يعتبرون أخف الضررين !!
متناسين علاقة الأنظمة العربية بإفساح المجال لتلك التنظيمات الأرهابية من أجل لعب الدور المناط بها لتكون الشماعة التي تبرر من خلاله تلك الأنظمة الدكتاتورية أعمالها الوحشية بحق الشعوب المتعطشة للحرية ، كالمزارع الذي يسرق من أغنام جاره وعندما انكشف أمره أطلق سراح الذئب المتوحش ليلقي باللوم عليه !!
ومن هذا المنطلق ، لايمكننا أيضا الاستغراب من الشقلبة الرأسية التي قام بها الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون
ودعوته المباشرة بالإبقاء على الأسد كرئيسا للبلاد ، ضاربا بتصريحاته النارية قبيل الفوز بالانتخابات الرئاسية عرض الحائط ، وذلك على خطى كافة القادة والسياسيين الغربيين !!
ومما لاشك به ، تتلائم التحركات الأمريكية المخادعة تجاه الأزمة السورية مع التحركات الأوروبية ، فهي تنتمي إلى ذات المدرسة الإستعمارية .
حيث وعبر مناسبات متعددة تضاربت تصريحات أميركية بشأن مصير بشار الأسد ، حيث قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي إن إزاحته ليست أولوية لبلادها، بينما صرح وزير الخارجية ريكس تيلرسون من أنقرة بأن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، وقال مصدر بالبعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة في حينها إن ما نقل عن هالي بشأن الأسد “مضلل بعض الشيء” !!
وقبل عدة أسابيع ، نشر موقع “ذا دايلي بيست” الأمريكي مقالا بخصوص الخطة الجديدة التي أعدتها الإدارة الأميركية والتي لا تستبعد بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم في سوريا وتشمل تعاوناً وثيقاً مع روسيا بهذا الشأن !!
وفي ذات الصدد ، تناقش الدول الأوروبية خلف الكواليس في هذه الأيام الآليات والتحركات الواجب القيام بها من أجل دعم نظام الأسد وأبقاءه حاكما للدولة السورية ، مما لايبقي بأي حال من الأحوال أي مجال لتبرئة تلك الدول من جريرة الدم السوري على مر تلك السنوات !! وكما قال في وقت سابق وزير خارجية الدنمارك مارتن ليدجارد لرويترز “فيما يتصل بالأسد ، لا يمكن أن نتجنب الحوار مع النظام في دمشق لأنه يمثل عنصر قوة ” .
وتأتي تلك التحركات الأوروبية المخادعة في وقت تتأزم فيه
علاقة المعارضة السورية مع الجهات الداعمة لها على إثر الزلزال الخليجي بين قطر والسعودية .
فالدوحة تعلن سقوطها المدوي في أحضان طهران ( الوالد الشرعي للنظام السوري ) مبررة ذلك التحول الجذري بالضرورة الدفاعية القصوى نحو أطماع الدول المجاورة لها .
كما بادرت إيران إلى تذكير الدوحة بضرورة ما أسمته “حفظ الجميل”. إذ قال المدير التنفيذي للمطارات والملاحة الجوية الإيراني رحمت إله آبادي إن على الدوحة حفظ الجميل لإيران لفتح أجوائها أمام قطر . وأشار آبادي في تصريح لوكالة أنباء “إيسنا” الإصلاحية إلى أن إيران أرادت من فتح أجوائها أمام الطيران القطري التخفيف من عواقب المقاطعة التي فرضت عليها، في إشارة إلى الدول الأربع #السعودية و #الإمارات و #البحرين و #مصر !!
في حين ، يعتبر المتغير السعودي الوحيد هو أن المملكة تخلّت عن شرط رحيل الأسد الفوري، وصارت قابلة لبقائه بشكل رمزي في مرحلة أنتقالية تنتهي برحيله، بحسب ما يرى البعض. فالسعودية تصرّ على رحيل الرئيس السوري، لكنها تعرض اليوم التفاوض مع روسيا وإيران على التوقيت !!
وهنا بالتحديد ، لايمكننا تجييش مشاعر العتب والنكران تجاه قطر والسعودية !! فأن شاءت كلا من الرياض والدوحة ذلك فليس بمقدورهما العزف منفردين من أجل الأطاحة بالأسد في حال عدم توافق تلك الرغبة مع رغبات الدول الكبرى ، وذلك إن افترضنا جدلا بأن التحركات القطرية السعودية كانت لصالح الشعب السوري !! وهذا يعتبر من أشد أنواع الغباء السياسي .
وكما تقفز دول العالم على حبال الكذب والخداع بمهارات عالية ، يمارس نظام دمشق نفس الأساليب وذلك عند الحديث عن لعبة السياسية ، ممايطرح سؤالا بديهيا .
مانسبة اقتران السياسة العالمية بالمصلحة العامة لشعوب العالم ؟؟
وفي تطور مثير للدهشة ، أجرت قناة “سوريانا” الإذاعية، والتابعة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التابعة بدورها للنظام السوري، يوم الثلاثاء، إتصالاً هاتفياً بالمعارض السوري #جورج_صبرا، معرفة إياه بـ”عضو الهيئة العليا للتفاوض”. وكذلك أجرت أتصالاً بالمعارضة السورية مرح البقاعي معرفة إياها بـ”مستشارة وفد الهيئة العليا للتفاوض !! مما يضعنا أمام مفترق للطرق ، هل أستطاعت المخابرات السورية دس رجالاتها في جسد المعارضة إلى مستوى القيادات ؟؟
أم هل تلقى نظام الأسد الضوء الأخضر من الدول الكبرى بضرورة التحاور مع المعارضة السورية الحالية كرد فعل استباقي في حال تهميش تلك المعارضة
والإبقاء على منصات موسكو والقاهرة المشكوك بولاءاتها ؟؟
ويمكننا قبول الطرح الثاني وذلك ربطا مع تصريحات بشار الجعفري في مؤتمر صحافي، إن وفد النظام أقترح #تعديلات على #مقترحات المبعوث الأممي ستيفان #دي_ميستورا ، معلناً أن الوفد أبلغ دي ميستورا بموافقته على جدول أعمال الجولة القادمة من محادثات جنيف، مضيفاً أن النظام يريد التفاوض مع وفد موحد للمعارضة . وهنا يجب علينا وضع ألاف الخطوط الحمراء تحت كلمة موحد !!
وأخيرا ، فقد أعتبر الكاتب روبرت فيسك من خلال مقاله في صحيفة “إندبندنت” البريطانية، بعنوان “القصة الحقيقية وراء الأزمة القطرية” ، أن تلك الأزمة أثبتت أن العالم العربي لا يزال في مرحلة “الطفولة” ولم يدخل مرحلة النضج . وذلك في رسالة مبطنة للشعوب العربية حول نظرة السياسيين الغرب ومفكريهم تجاه الدول العربية ، وبأنها مجرد دول لاتستطيع قيادة نفسها بنفسها وتحتاج إلى رعاية الدول الكبرى لتتمكن من البقاء على قيد الحياة !!
عزيزي القارىء ، لايختلف الأمر كثيرا في حال الحديث عن الفروقات الجوهرية بين
الأنظمة العربية والغربية على الصعيد العام ، سوى بأمرين ..
الأول : استخدام العنف المفرط من قبل الأنظمة العربية من أجل الحفاظ على مواقعها في المشهد السياسي وذلك تحت حماية دولية .
الأمر الثاني : عدم مشاركة الشعوب العربية بمردودات الثروة الوطنية .
فبينما تستخدم الأنظمة العربية الدبابات والطائرات لإثبات وجهة نظرها ، تسعى الدول الغربية إلى استخدام الحيل والخداع لكسب أكبر عدد من الأصوات يؤمن فوزها بجميع مفاصل الانتخابات لتقوم عقب فوزها بنكث وعودها ، وهكذا تجري الأمور في الجزء ( الديمقراطي ) من العالم !!
مع الملاحظة : بأن الفساد والسرقات تتواجد ضمن نطاق ضيق في المجتمعات الغربية بسبب شدة المراقبة وكثرة المعارضين الذين يتصيدون أخطاء منافسيهم .
أما وبالنسبة لحرية الصحافة والإعلام فالأمر سيان بالمقارنة بين الدول العربية والغربية ، ومن يتابع مسيرتي من القراء يعلم بقضية سجني في مملكة النرويح بسبب قصيدة موجهة ضد سفارة إسرائيل تحت عنوان ( انتقاما للشهيدة ) بتاريخ فبراير عام 2016 ، وبمعنى أدق وعلى سطح هذا الكوكب المظلم لايختلف السياسييون بتعاطيهم مع مجريات الأحداث .
وكما عبر عن ذلك الكاتب الأمريكي مارك توين “السياسيون كحفاظات الأطفال يجب تغيرهم كل وقت ولنفس السبب ” !!