المَثل في التعريف جملةٌ من القول مُقْتطفة من كلام، أَو مرسلةٌ بذاتها، تنقل ممن وردت فيه إِلى مُشَابِهِه دون تغيير ، ومنها ما هو فصيح و منها ما هو من أقوال العامة من الشعوب.
أما الفصيح كقولهم : إياكِ أَعني واسمعي يا جارة، والمَثَلُ الأسطورةُ و هو ما كان على ألسنة الحيوان أَو الجماد، كأمثال كتاب “كليلة ودمنة” لابن المقفع. والأمثال إما أن تكون نثرية أو شعرية فمثال النثري: الصيفُ ضيَّعتِ اللبنَ ، و مثال الشعري :
تُسائل عن فتاها كلَّ حيٍّ ** وعند جُهينةَ الخبرُ اليقينُ
وأما المثل الشعبي فهو قول موجز محكم البناء ، قيل في موقف من مواقف الحياة ، يلخص موقفًا لإظهار العبرة منه وقد تناقلته الألسن عبر السنين فذاع و انتشر ، وأصبح الناس يرددونه في كل موقف مشابه للموقف الأصلي.
والأمثال وغالبها النثري أكثر دلالة في التعبير عن الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية من الشعر و أمثاله فهي تصور أخلاقَ الأمم وتفكيرَها، وعقليَّتَها وتقاليدَها، وعاداتِها، وتصور المجتمع وحياته وشعوره، أتم تصوير في مرآة الحياة الاجتماعية.
وكثيرًا ما يتداول الناس الأمثال عند تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فغالبًا ما يتذكرون هذه الأمثال للتعبير عن الهموم اليومية من غلاء في المعيشة و نقمة على الحكومات الفاشلة أو الاستبدادية التي يرزحون تحتها وطأتها.
من هذه الأمثال قولهم: (من كعْب الدِّست)
وهو مثل شعبي مشهور في بلاد الشام، وقد شاع وانتشر على ألسنة العامة وحتى الخاصة من الكُتاب ، و يُضرب للأمر الفخم الكبير أو لمن تعجزه الحيلة عن إخفاء أمور قد يكون الضرر أو الإساءة في معرفتها.
و أما قصة المثل فهناك روايتان:
الأولى: الدست هو القدر أو الوعاء النحاسي الكبير أو (الحَلَّةُ) كما يسميها بعض أهل الشام و تستخدم لطهي طعام المناسبات في الأفراح أو الأتراح ، وعندما يوضع على النار فالحرارة أشد ما تكون في الطبقة السفلى من الدست أي في قاعه.
وفي القديم كان أهل الشام يصنعون “القاورما” : وهي اختراع شعبي لحفظ اللحم و الدهن مدة طويلة ولا سيما في الشتاء وقبل اختراع البرادات والمجمدات الكهربائية. و كانت النسوة تصنع القاورما من تقطيع اللحم الهبر وطبخه بالدهن في دست كبير ثم يعبئنها بعد نضجها في أوان كبيرة أو صغيرة من الفخار و يجمد الدهن على الهبر بفعل البرودة فتبقى صالحة لإعداد الأطباق طوال فصل الشتاء .
وبما أن الهبر وهو أطيب وأثمن من الدهن يرسب في كعب الدست لثقله عند طبخه لذلك كان البائع عندما يُسأل عن جودة القاورما لديه يقول: “من كعب الدست” أي أن أكثرها الهبر والدهن أقلها.
والثانية: يُروى أن أحد باعة الكروش أو “السخاتير” كما تسمى في بعض مدن الشام قد اتخذ حانوتًا له في أحد الأسواق، وكان يبيع الكروش بعد طبخها في دست ، وحدث أن تنازع رجلان من المارة قرب حانوت البائع وتطور النزاع بينهما فنزع أحدهما فردةً من حذائه ليضرب به الآخر، غير أن الحذاء أخطأ الرجل ووقع في قدر الكروش ولم يتمكن البائع من سحب الحذاء؛ مخافة أن يلحظه أحد المارة فتتأثر تجارته ، فأخذ يضغط الحذاء بمغرفته إلى قعر الدست حتى لا يطفو . وفي تلك الأثناء صادف مرور أحد الزبائن أثناء قيام البائع بالضغط على الحذاء إلى قعر الدست ، فأراد الرجل أن يشتري بعض الكروش من البائع، وهو يدرك أن أجود كرشة لابد أن تكون في أسفل الدست، فأشار إلى البائع بأن يعطيه من التي في الكعب (الأسفل). فحاول البائع المحرج التملص منه وراح يرفع من الكروش، و يقول له في كل مرة : خذ هذه، أو هذه أفضل، هذه أكبر، هذه أشهى، هذه ناضجة، والزبون يرفض أن يأخذ إلا التي في الأسفل، وعندما أعيت البائع الحيلة رفع الحذاء، وقال: ” تفضل هذا من كعب الدست” يعني بالمتداول الشامي :”خذه، وحلّ عني”.
فاليوم لو تناهى إلى سمعنا قول أحدهم عبارة “من كعب الدست” فسوف يتبادر إلى أذهاننا على الفور تلك الأفكار التي تربط المثل بما يقصد من خبره ، وحكاية من كعب الدست صار الناس يستعيرونها في كلامهم أو أخبارهم على اختلاف مراميها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فيقولون:”مقلب من كعب الدست” أو “خبر من كعب الدست” أو “تصريح السيد الوزير من كعب الدست” أو عاقَبه “عقوبة من كعب الدست” أو ” أسعار من كعب الدست” وما أشبه ذلك…….
وكلها تعني أنها عظيمة أو فخمة أو كبيرة.