في زمن الحرب أصبحت محال الألبسة الجاهزة مجرد واجهات يترقبها المارة بحسرة وكأنها معرض بلوحات زجاجية كتب عليها ممنوع الاقتراب لذوي الدخل المحدود، فكانت محلات الألبسة المستعملة “البالة” ملاذا للفقراء مع قدوم فصل الشتاء البارد والذي يحتاج لملابس سميكة وحاجيات إضافية وبالأخص للأطفال، فهم بحاجة لقبعات ولفحات صوفية وغيرها من لوازم الشتاء.
ومع تدني المستوى المعيشي لكثير من السوريين حتى “البالة” باتت عبئا عليهم، وبالأخص في المناطق المحررة كون المعيشة أكثر تكلفة من مناطق سيطرة النظام وخصوصا فيما يتعلق بالكهرباء والوقود والمواد التموينية الأساسية كالسكر والأرز، فغدت أسعار الملابس والأحذية التي اعتادوا شراءها من تلك المحال المتواضعة غالية الثمن مقارنة بالعام الماضي.
تخبرنا السيدة هند وهي أم لأربعة أطفال أيتام من مدينة ادلب عن معاناتها في تأمين كسوة الشتاء لهم:” الأطفال بحاجة في كل موسم لملابس جديدة كون أجسامهم تنمو بسرعة ولا تناسبهم ملابسهم القديمة، فكنت أذهب كل يوم أربعاء لبازار المدينة، وأبتاع ما أراه ملائما لهم، وثمن أغلى قطعة لا تتجاوز 300 ليرة، لكن هذا العام ومع الهجمة الشرسة اتي تتعرض لها المدينة وريفها من قصف عنيق، عزف كثير من بائعي البالة عن عرضها في السوق الشعبي، واضطررت للبحث في محال السوق، ففوجئت بالأسعار الباهظة التي لا يمكنني تحمل نفقتها”.
وتضيف هند:” صدمت عندما أخبرني البائع أن ثمن حذاء لابني الصغير 3 آلاف ليرة، وثمن البنطال 2500 ليرة، فعدت أدراجي خائبة أدعو في قلبي على من قهرنا ورمل نساءنا وحرمنا من معيلنا وسندنا، فما بيدي حيلة وإنني أربي أطفالي مما يصلني من أهل الخير ومع ذلك صابرة وعلى يقين أن فرج الله قريب لا محالة”.
يبرر تجار البالة هذا الارتفاع في أسعارها لفرق سعر صرف الدولار بين هذا العام والعام الماضي بنسبة 200 ليرة لكل دولار، ومع ذلك مازال التعامل بالليرة فمعظم السوريين يكسبون رزقهم بنفس الأجر تقريبا إلا أن الأسعار لم تبقى على حالها ما يشكل عائقا أمامهم في هذا الفصل الثقيل على جيوبهم، فتضاف لها مصاريف التدفئة وغيرها من الأمور.
يشرح لنا أبو خلدون وهو تاجر ألبسة مستعملة في مدينة ادلب:” كنا نشتري كيس البالة الكبير بحسب جودته من المناطق الحدودية كسرمدا والدانا بأسعار مقبولة قد تصل ل 40 دولارا لكل كيس ويحوي تقريبا على 60 قطعة ونبيعها بربح بسيط، إلا أنه هذا العام تجاوز سعر الكيس 100 دولار الأمر الذي سبب دهشة الزبائن وعزوفهم عن الشراء إلا لما هو ضروري، ويتهموننا أنها ألبسة تقدم مجانا للشعب السوري ونحن نبيعها، ربما معهم حق لكن نحن نشتريها من التجار الكبار ولا نعلم مدى مصداقية هذا الأمر، فيقولون لي “بنشتريها جديدة أرخص، بضل اسمها بالة”.
مجلة الحدث ـ سماح الخالد