استهدفت ثلاث سيارات مفخّخة بلدة تل تمر في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية، يوم الخميس في 10-12-2015، أوقعت أكثر من 30 قتيلاً وما لا يقل عن 200 جريح إلى جانب دمار هائل في الأبنية ومحال المواطنين، ورافقتها حالة من الاحتقان في الأوساط السياسية.
الهجوم يُعدُّ الأعنف على البلدة المعروفة بتنوّعها العرقي والّتي تتعرّض منذ اندلاع الصّراع في سورية إلى هجمات متكررة كان آخرها لـ «داعش» في شباط (فبراير) الماضي عندما اقتحم عناصره قرى أشورية. بهجت شيخو أحد أبناء تل تمر قال إن البلدة «لا تتحمل هول هذه الكارثة وهي تعاني أصلاً من نزيف بشري كبير بسبب الهجمات المتواصلة عليها».
وأضاف إن «أعداد القتلى والجرحى المعلنة من قبل قوات «الأسايش» التابعة لـ «الإدارة الذاتية» التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي «PYD» غير دقيقة، لأن هناك ضحايا مدنيين كانوا ما زالوا تحت الأنقاض»، بسبب عدم وجود معدات كافية وعدم توافر فُرق إنقاذ مدرّبة لإنقاذ المدنييّن في حالات كهذه».
«الأسايش» أعلنت في بيان رسمي عن مقتل 25 شخصاً وجرح أكثر من 100، مع بقاء العديد من المفقودين تحت الأنقاض، واتهمت في شكل مباشر تنظيم «الدّولة الإسلاميّة» باستهداف المدنييّن بشاحنات مفخّخة انفجرت أولاها في شارع فلسطين، والثانية بالقرب من المستشفى الميداني، والثالثة في حي سيف الدولة بالقرب من سوق الخضر من الجهة الجنوبية لبلدة تل تمر. وأصدر المجلس الوطني الكردي في سورية الممثل في الائتلاف الوطني لقوى الثّورة والمعارضة السّوريّة بياناً دان فيه «هذا العمل الإرهابي» واصفاً إياه بـ «العمليات الوحشيّة المستهدفة للمدنييّن الأبرياء من دون تمييّز بين صغير وكبير، أو بين دين وقوميّة من كرد وعرب وآشوريين»، محمّلاً بالوقت ذاته حزب الاتحاد الديموقراطي المسؤولية عن هذه التفجيرات.
حادثة بلدة تل تمر تُعيد ملف المنطقة الكرديّة إلى الواجهة من جديد، إذ تبدو المنطقة ظاهرياً في نوع من الأمن والاستقرار، تُروِّج له سلطة أمر الواقع المتمثلة بحزب الاتحاد الديموقراطي (فرع حزب العمال الكردستاني في سورية) من خلال إبداء مشروعها «الإدارة الذاتية» المُعلن على أساس أُممي وقبولها لبقية المكونات، وفي الوقت ذاته نبذها القوميّة الّتي تصفها بأن عهدها «قد ولّى».
إصرار ‹PYD› على هذا الأمر ينبع من سببين، أوله لتلميع صورته أمام المجتمع الدّولي باحتضان بقية الأعراق والمذاهب ومحاربته تنظيم الدولة سعياً الى قبوله ورفعه من قائمة الإرهاب بطرحه نفسه قوة بريّة، والثاني تلبيته لأوامر النّظام الّذي نقل الحزب من الحضيض قبل الثّورة السّوريّة إلى حزب يملك قوة عسكريّة ومقار ومراكز سلمت له بموجب اتفاق أمني في مقابل محاربة كل من يناصر الثّورة أو من له هواجس بناء كيان قومي أُسوة بكردستان العراق، وما تواجد النّظام إلى الآن في مربعاته ضمن مدينتي القامشلي والحسكة مركز المحافظة إلا للإشراف ومراقبة الاتفاقات وضمان عدم تجاوزها.
أحزاب المجلس الوطني الكردي الّتي لازمت مسلك الثّورة متمثلة ضمن قِوى المعارضة، تُضرب بيدٍ من حديد من قبل قوات PYD بأوامر من النظام عبر تجنيد الشّباب الكرد إجبارياً في حربٍ يرون أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما حدث في قرية السّويديّة في ريف المالكية، إضافة إلى فرض الضرائب والإتاوات والمناهج المؤدلجة.
إيعاز النّظام لمواليه من جميع المكونات بالانضمام إلى قوة الحزب العسكرية المنضوية أخيراً ضمن «قوات سورية الدّيموقراطيّة» غيّر من التركيبة السكانية في شكل كبير، إذ أضحى المكوّن العربي يُشكّل النّسبة الأكبر وذلك وفق تصريحات أحمد موسى قائد تجمع ألوية الجّزيرة التّابعة لـ «قوات سورية الدّيموقراطيّة» إلى بعض الوسائل الإعلامية اذ قال إن «نسبة العرب الّذين يقاتلون في صفوف قوات سورية الدّيموقراطية في منطقة الجزيرة تقارب 60 في المئة».
أبناء المنطقة الّتي تبدو ظاهرياً الأكثر أماناً في سورية يدفعون ثمن سياسة قِوى راهنت على إمكاناتها بالّلعب على تناقضات دوليّة أضحت الآن في موقف محرج بعد تلاشي الوهم الّذي اصطنعته وبزوغ فجر الواقع المرير.
الحياة