يحاول الجيش السوري مدعوما بحلفائه من ميليشيات حزب الله والميليشيات الإيرانية وبالتعاون مع الغطاء الجوي الروسي محاصرة مدينة حلب وتحديدا القسم الخاضع لقوات المعارضة.
ويواجه النظام صعوبات ميدانية لتحقيق ذلك على الأرض نظرا لانعدام إمكانية التحرك ضمن الأحياء والشوارع الضيقة الملغمة والمحصنة، ولم يستطيع برغم محاولاته تحقيق تقدم منذ عدة أشهر رغم اعتبارها ذات أولوية عسكرية كما ذكر الرئيس السوري في خطابه أمام البرلمان.
وتعهد الأسد قبل أيام باستعادة “كل شبر” من سوريا، وقال إن حلب ستكون “مقبرة” لآمال غريمه الإقليمي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يدعم الفصائل الإسلامية في سوريا.
وكذلك أعلنت روسيا عدة مرات أن قواتها الجوية ستوفر أكبر دعم ممكن لمنع سقوط حلب والمنطقة المحيطة بها في أيدي من سمتهم إرهابيين وهي التسمية التي تطلقها موسكو ودمشق على معارضي الأسد.
وقد أدى تكثيف الضربات الجوية والقصف المدفعي على الطريق الوحيد المؤدي لمدينة حلب السورية المقسمة، إلى عزل قطاع تسيطر عليه المعارضة المسلحة بالمدينة عن العالم الخارجي خلال الأيام القليلة الماضية مما وضع مئات الآلاف من سكانها تحت حصار فعلي.
ويرى خبراء عسكريون أن اعتماد النظام السوري على القصف الجوي هو وسيلة لإبقاء الطريق الأخير الرابط بين حلب وتركيا تحت القصف المتواصل لخلق قوة نارية تردع من يحاول الانتقال من حلب إلى خارجها وصولا إلى تركيا، نظرا لعدم توفر القدرات العسكرية الكافية على الأرض لتحقيق ذلك في الأوقات الحالية.
ويأمل النظام في محاصرة حلب من الجو في المرحلة الأولى لإطباق الحصار كأمر واقع ثم اتباع سياسة القضم من مدينة حلب بشقها الواقع بيد المعارضة وصولا إلى استعادة حلب بأكملها وبالتالي القضاء على ما تبقى من أمل ضعيف لإحياء الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع المستمر منذ خمسة أعوام بعد انهيار محادثات واتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أميركية وروسية أبرم في وقت سابق من العام الجاري.
ومنذ أعوام صارت حلب كبرى المدن السورية قبل الحرب – حيث كان يقطنها مليونا نسمة – منقسمة بين قطاع للمعارضة وآخر للحكومة. وصارت استعادة المحافظة بالكامل أحد أكبر أهداف الرئيس السوري بشار الأسد.
350 ألف شخص يعيشون في الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة في حلب
ويعتقد بأن ما يقدر بنحو 350 ألف شخص مازالوا يعيشون في القطاع الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة في ظروف صعبة زادت سوءا بعد المحاولة الأخيرة لحصارهم من خلال قطع آخر طريق مؤد إلى حلب وهو طريق الكاستيلو المسمى بذلك نسبة إلى قصر قديم في المدينة.
وقال زكريا ملاحفجي القيادي في جماعة “فاستقيم” المعارضة في حلب “إن النظام لم يقدر على قطع الطريق برا لذا قرر شن ضربات جوية مستمرة لتستهدف كل ما يمر على الطريق بغض النظر عن كينونته”.وأضاف أن من يرغب في المرور عبر طريق الكاستيلو سيكون كمن قرر تنفيذ مهمة انتحارية.
وتابع من مقر الجماعة في مدينة غازي عنتاب التركية القريبة من الحدود مع سوريا، أن الأمر على هذا الحال منذ 10 إلى 12 يوما. وقال “إن الوضع كان صعبا من قبل حيث كان يجري استهداف الطريق وكانت الناس تمر بصعوبة بالغة لكنه الآن قطع تماما ولا يجرؤ أحد على المرور عبره”.
وقلل بعض الناشطين من أثر هذا الحصار الجوي على الفصائل المسلحة وأكد أنه سيقتصر أثر الحصار على المدنيين بالدرجة الأولى، وقال ناشط سوري في داخل مدينة حلب إن وطء هذا الحصار سيكون “علينا نحن المدنيين لأننا لن نستطيع الخروج أو الدخول إلى حلب عبر طريق الكاستيلو لنقل الاحتياجات اليومية، بينما الفصائل المسلحة لن تتأثر لأنها جميعها تتنقل عبر أنفاق وتؤمن كل احتياجاتها الخاصة بها من سلاح وذخيرة”.
وحتى الآن لم تتمكن القوات البرية الموالية للحكومة والمدعومة من مسلحين شيعة إيرانيين ولبنانيين من تطويق حلب بالكامل بسيطرتها على ممر ضيق يمر من خلاله طريق الكاستيلو.
ويتعرض الطريق السريع منذ أمد بعيد لنيران القناصة لكنه شهد تكثيفا للهجمات الجوية والقصف منذ أقل من أسبوعين.
وقال الناشط المعارض محمد أديب الذي قاد سيارة عبر طريق الكاستيلو يوم الجمعة الماضي إن الكاستيلو هو “طريق الموت إلى حلب”، مضيفا أنه لم يكن واثقا من وصوله إلى حلب حيا.
وفي حلب تسبب الضغط الجديد على الطريق في زيادة أسعار السلع لتزيد من معاناة سكانها الذين مازالوا في المدينة.
وفسر المعارضون حديث موسكو بأن جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة صعدت هجماتها في حلب بأنه إشارة إلى أن روسيا تبحث عن ذرائع جديدة لشن هجوم. وفي حين أن جبهة النصرة ناشطة في جنوبي حلب فإن المعارضين الأكثر اعتدالا يقولون إنه لا وجود لها في المدينة نفسها. ولم يشمل اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن وموسكو جبهة النصرة شأنها شأن تنظيم الدولة الإسلامية.
ويثق المعارضون الذين يقاتلون الجيش السوري في حلب في قدرتهم على صد الهجمات البرية التي يؤدي فيها مقاتلون شيعة من إيران وأفغانستان وحزب الله اللبناني دورا كبيرا لدعم الحكومة السورية.
ويتلقى عدد من هذه الجماعات المعارضة دعما عسكريا خارجيا عبر تركيا من دول مناهضة للرئيس السوري. وقال المعارضون إنهم تصدوا لثلاث هجمات من القوات الموالية للحكومة ضد حندرات القريبة من طريق الكاستيلو خلال أقل من شهر واحد.
وقال أبو ياسين زعيم الجبهة الشامية إن النظام يحاول إحراز تقدم على الأرض فيكسب نقطة أو اثنتين ثم لا يلبث أن يخسرهما. وأضاف أن هذه الظروف ليست جديدة على المقاتلين.
العرب