كتب “حسين شبكشي” في صحيفة الشرق الأوسط : لمحاولة تفسير «الكوميديا المسرحية الهزلية» التي حصلت في سوريا منذ أيام، والتي عرفت بالانتخابات الرئاسية، لا بد من اللجوء إلى مدرسة التحليل النفسي، وليس إلى العلوم السياسية، لفهم ما حدث تحديدا.
بشار الأسد على الصعيد الشخصي لديه مشكلة في فكرة الإقناع والقبول، فهو يعلم يقينا أنه لم يكن أبدا خيار أبيه الأول لخلافته، بل كان شقيقه الأكبر باسل الأسد الذي قضى في حادث سيارة شديد الغموض؛ مما اضطر حافظ الأسد لأن يعيد ابنه الثاني بشار من عمله ودراسته بالخارج ليبدأ مشوار تحضيره المكثف، وعلى عجالة لخلافته، وهو على عكس شقيقه باسل الذي كان يعد إعدادا جيدا، لم يأخذ الوقت الكافي لذلك، إذ جرى القفز به في سلم الترقيات وسط غمغمة وعدم قناعات الحرس القديم المحيط بالرئيس الأب، وكان هذا ثاني نوع من أنواع عدم القبول والإقناع يواجه بشار الأسد.
ثم توفي حافظ الأسد، ولم يكن الابن قد أكمل السن القانونية المطلوبة دستوريا للترشيح، وفي جلسة كوميدية هزلية قام مجلس الشعب بتعديل النص الدستوري ليكون ملائما تماما لسن بشار الأسد، وطبعا تحولت هذه المسألة إلى نكتة عالمية يتندر بها السوريون في الداخل والخارج، وكان هذا ثالث تحد للقبول والإقناع يعرفه ويواجهه بشار الأسد.
وفي ملتقيات ومؤتمرات القمم العربية كان يبالغ في تطويل كلماته وخطبه وكأنه يلقي محاضرات في حضرة زعماء أكبر منه سنا وأعمق منه خبرة، كل ذلك جراء عقدة النقص والرغبة في الحصول على القبول والإقناع اللذين يفتقدهما، ومن النظر إلى عيون الزعماء العرب زادت قناعاته بذلك، فلم يتردد بأن يقول عليهم «أنصاف الرجال»، وهي كلمة تخرج من طفل يغار ممن هم أكبر منه.
واليوم مع مواجهته لأكبر حالة رفض شعبي صريح من شعب بحق رئيسه، شعب يواجه التنكيل والقتل بكل أنواع السلاح والوسائل بشكل غير مسبوق على مدار التاريخ، أمام حالة الرفض الشعبي والإدانة العالمية لأفعاله، كان لا بد من إيجاد طريقة جديدة للحصول على القبول والإقناع (على مستوى العالم) وبأسلوب مختلف، فهو اعتاد دوما أن «يفوز» بنتائج استفتاءات يجريها عن طريق حزبه الحاكم، وكان «بالإجبار» يخرج الطلبة والموظفين للتصويت له
حتى تخرج النتائج بنسب أشبه بالأساطير الهائلة، ولكن هذه المرة كان لا بد أن يكون المشهد «انتخابيا»، يرشح نفسه في اللحظات الأخيرة جدا (لزوم الإثارة حتى يقنع المتابعين أنه رضخ للطلبات الجماهيرية بترشحه) ليترشح أمام منافسين اثنين، هما في الواقع موظفان في أجهزته جرى اختيارهما بعناية لترديد بعض الشعارات والإدلاء ببعض التصريحات «المثيرة للتعجب والدهشة».. أيضا كان ذلك لزوم الإخراج المسرحي للانتخابات الهزلية. والمدهش هو جرأة النظام العجيبة (ومن يهتف له في لبنان والعراق وإيران) أنه أتى بمراقبين للانتخابات والإشراف عليها من دول مثل كوريا الشمالية وروسيا وزيمبابوي وفنزويلا، وهي دول علاقتها بالعدل والديمقراطية كعلاقتي أنا باللغة الفيتنامية، ولكن الرغبة في الحصول على القبول والإقناع هي التي حركت دوافع بشار الأسد منذ وصوله للسلطة.
قد يكون ما حدث هو رغبة من حلفائه عندما كانوا يتحدثون خلف الأبواب الموصدة أنهم مهتمون بتأمين خروج آمن ومشرف له من الحكم، وهم بهذه المشاهد الهزلية التي تحمل في ظاهرها انتخابات رسمية وشعبية أعادته لحكم البلاد برغبة شعبه، قاموا بذلك، ولكنهم ينسون أنهم لم ينجحوا إلا في تأمين خروج هزلي وكوميدي وليس بآمن. فبشار الأسد رغم كل المحاولات التي يبذلها منذ وصوله للسلطة ليحصل على القبول والإقناع ممن حوله ومن شعبه لن يستطيع، لأن القبول من الله!