لا تختلف أزمة الاستفتاء الكردي عن الأزمة الخليجية في تداعياتها على النفوذ الأمريكي في المنطقة؛ فهي تزيده ضعفا وهشاشة، وتعكس عجزا وارتباكا في إدارة علاقاتها مع دول الإقليم وكياناته السياسية؛ فالأزمة الكردية شمال العراق فتحت بابا جديدا يسهم إلى حد كبير بتآكل التحالفات الأمريكية في المنطقة وارتباكها داخليا وخارجيا.
فعلى الصعيد الداخلي، يظهر التباين في مواقف أعضاء الكونغرس الذين دعا بعضهم إلى اقتراح قانون لدعم استقلال إقليم كردستان العراق، معززا بماكينة إعلامية أمريكية تظهر تعاطفا كبيرا مع الطموحات الكردية، إلى جانب لوب صهيوني يثقل كاهل صناع القرار في البيت الأبيض، بلغ حدا يشيد بالتحالف الأمريكي الكردي ومستقبلهم في إعادة رسم خرائط الإقليم، مدعوما بالعلاقة الأمنية والعسكرية المميزة التي تجمع الإقليم بالولايات المتحد.
يقابل التوجهات السياسية والتاريخية للمؤسسات الإعلامية والبحثية والاستشراقية الأمريكية واللوبيات وغيرها من مؤسسات صنع القرار موقف رسمي أمريكي لم تتوان واشنطن عن إعلانه غير مرة برفضها الاستفتاء ونتائجه؛ فتكرار الإعلانات الأمريكي انعكاس للتشكيك الدائم بالموقف الأمريكي ومدى صدقيته. التداعيات الخطرة لاستقلال الإقليم على الاستراتيجية الأمريكية وتحالفاتها الخارجية تقف عائقا كبيرا أمام التوجهات التاريخية والاستشراقية للقوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
الأهم من ذلك أن توجهات إقليم كردستان للصدام مع القوى الإقليمية مثل تمردا على السياسة الأمريكية التي لم تكن بحاجة إلى خوض هذه المعركة في ظرف إقليمي حساس تتشكل وتتبلور فيه تحالفات جديدة وتدخل روسي يزداد رسوخا في المنطقة العربية.
فالخطوة الكردية توسع هامش المناورة لدى روسيا وتعزز التقارب بين طهران وأنقرة وبغداد لتربك بذلك الاستراتيجية الأمريكية في كل من العراق وسوريا، وتضعها في مواجهة القوى الإقليمية، معززا موقع طهران في الإقليم، وموفرا قوة دفع كبيرة للتوجهات المناوئة الولايات المتحدة في المنطقة.
فأزمة إقليم كردستان تلقي ظلالا ثقيلة على سياستها في سوريا؛ حيث تتحالف الولايات المتحدة مع الأكراد الانفصاليين بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الانفصالي، وقوات «قسد»، لتعقد عملها، وتزيد أعباءها في إقناع الحلفاء والأصدقاء في الانضمام لجهودها السياسية والعسكرية في سوريا؛ فالموقف الأمريكي المرتبك يزداد غموضا وتشوها؛ ذلك أن إرضاء قوى الإقليم يعني إغضاب الأكراد، وفقدان ثقتهم في كل من كردستان العراق وسوريا.
الأزمة الخليجية استنزفت الولايات المتحدة الأمريكية، وأدخلت لاعبين جددا لتسهم في بلورة تحالفات جديدة حالها كحال الأزمة في إقليم كردستان العراق التي تدفع نحو مزيد من التآكل والارتباك للنفوذ الأمريكي، لتعد الإقليم لمرحلة جديدة تقودها مسارات وتحالفات لا تخضع بالمطلق للرؤية الأمريكية؛ باعتبارها محل شك القوى الإقليمية والحلفاء التقليديين في المنطقة.
أزمة إقليم كردستان العراق لا تختلف عن الأزمة الخليجية التي عجزت الولايات المتحدة عن وقف تفاعلاتها أو احتوائها، كاشفة عن حجم العجز الذي بلغته السياسة الأمريكية في المنطقة، ومحدودية قدراتها على ضبط المشهد الإقليمي، فاتحة ثغرة واسعة لمزيد من الاستنزاف للسياسة والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
السبيل الأردنية
حازم عياد