خاص ترك برس
صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم الأربعاء 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 بأن “إمعان تركيا في إبقاء قواتها داخل الأراضي العراق قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية”، مشيرًا إلى أن تركيا تعيش على أحلام الماضي في ضم الموصل داخل حدودها القومية.
وردًا على تصريحات العبادي، أكّد المتحدث باسم الحكومة التركية “نعمان كورتولموش” أن بلاده لن تقبل في أي حال من الأحوال اعتبار حزب العمال الكردستاني – الذي تصنفه على لائحة الإرهاب – كعنصر مشارك في عملية التحرير المرتقبة في الموصل والرقة، موضحًا أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية الوفاء بوعودها في صد عناصر بي كي كي وبي يي دي ويي بي غي “الإرهابية” عن المناطق المحررة في العراق وسوريا.
تعود الأزمة إلى ما قبل عامين ونصف تقريبًا، حين طلب محافظ نينوى أثيل النجيفي من الحكومة التركية إرسال قوات تركية تدريبية إلى منطقة بعشيقة لتقوم بتدريب قوات الشرطة وبعضًا من قوات الجيش والمواطنين عسكريًا وميدانيًا، وبالرغم من أن ذلك تم في سياق التنسيق بين وزارتي الدفاع العراقية والتركية وفقًا لتصريحات النجيفي، إلا أن الحكومة العراقية اعترضت على وجود القوات التركية في بعشيقة، بعد إرسال تركيا 150 جنديًا برفقة عدد من الدبابات في كانون الأول/ ديسمبر من العام المنصرم، واعتبرته خرقًا سافرًا للسيادة العراقية.
وقال الرئيس العراقي فؤاد معصوم حينها إن الوجود التركي فوق الأراضي العراقية غير مقبول بأي حال من الأحوال ويشكل انتهاكًا صارخًا للأعراف الدولية المتعارف عليها.
وردًا على ذلك، أعرب رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو عن استهجانه للموقف العراقي، مشيرًا إلى أن إرسال القوات التركية إلى هناك جاء بناءً على التنسيق مع الحكومة العراقية، وليست هناك إضافات لعدد الجنود، وما تم هو عملية تغيير روتيني للجنود.
لم يقبل العبادي بهذه التصريحات، وهدد بتوجه حكومته لمجلس الأمن إن لم تنسحب تركيا من الأراضي العراقية في غضون 48 ساعة.
وأنكر العبادي تنسيق الحكومة التركية مع حكومته، ودعا الحكومة التركية لتقديم أي دليل حول علم الحكومة العراقية بالتواجد التركي في العراق.
من جانبه، ذكر موقع ديلي صباح أن مجلس النواب العراقي صوت في جلسته المنعقدة برئاسة رئيس المجلس سليم الجبوري في 9 ديسمبر على قرار يدين دخول قوات تركية مسلحة إلى العراق، ودعا رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس حاكم الزاملي القوات الجوية العراقية إلى قصف مواقع القوات التركية الموجودة على أطراف الموصل.
واستمر التصعيد العراقي من خلال تفويض الحكومة العراقية في الثامن من ديسمبر رئيس الوزراء حيدر العبادي باللجوء إلى الإجراءات التي تواجه التواجد التركي “الاحتلالي” للأراضي العراقية.
حاولت الحكومة التركية بذل جهود لتخفيف حدة التوتر وحل الأزمة عبر الطرق الدبلوماسية، وذلك من خلال إرسال كل من رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان ومستشار وزارة الخارجية الأول فريدون سينيرلي أوغلو في العاشر من ديسمبر إلى بغداد للقاء رئيس الوزراء حيدر العبادي وعدد من المسؤولين العراقيين.
ولكن ذلك لم يفِ في حل الأزمة، بل استمر على الصعيدين الحكومي والشعبي، حيث خرجت احتجاجات شعبية في بغداد تطالب القوات التركية بالانسحاب، وواكبت هذه الاحتجاجات تهديدات من المليشيات الشيعية، كان أبرزها تهديد الأمين العام لمنظمة بدر والقيادي في الحشد الشعبي هادي العامري بتدمير الدبابات التركية فوق رؤوس جنودها، مبينًا أن كافة الفصائل المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي متفقةً على ضرب المصالح التركية في العراق، ما دامت تركيا محتلة لبعض الأراضي العراقية، وأن مقاطعة البضائع التركية سيكون أحد خيارات مقاومة “هذا الاحتلال السافر”.
وفي سياق متصل، أعرب المتحدث باسم حكومة إقليم شمال العراق سفين دزيي عن استغرابه من موقف الحكومة العراقية المناهض للوجود التركي الذي أتى في إطار التنسيق المباشر معها، مبين ا أن الحكومة تستغل هذه القضية في سياق خلافات مع حكومة الإقليم.
كما صرح رئيس الإقليم مسعود بارزاني بأن القوات التركية شيدت مخيم التدريب في بعشيقة في إطار التنسيق مع الحكومة المركزية التي رحبت بهذه الخطوة واعتبرتها خطوة مهمة في إطار التعاون من أجل محاربة الإرهاب.
وبالرغم من هدوء الأزمة لشهور طويلة، إلا أنها عادت في الآونة الأخير لتطفو على السطح وبقوة، حيث أعلنت الحكومة التركية مشاركتها في عملية تحرير الموصل، الأمر الذي اعتبرته الحكومة العراقية مرفوضًا بشكل قاطع مطالبةً تركيا من جديد بالانسحاب من الأراضي العراقية.
وفي معرض الرد على المطلب العراقي، قال الرئيس التركي أردوغان إن تركيا لن تذعن للمطالب العراقية، مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية “عاجزة” عن تأمين حدودها مع بلاده، وانطلاقًا من ضرورة الحفاظ على حدود بلاده وأمنها ستبقى القوات التركية تعمل بالتنسيق مع البشمركة في العراق.
وصعّدت الحكومة التركية من وتيرة الرد من خلال استدعاء سفيرها في بغداد، بالأمس، 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، تعبيرًا عن احتجاجها على خلفية القرار الذي أصدره مجلس النواب العراقي وحمّل تركيا اتهامات “بالاحتلال”.
واستدعت تركيا، في 5 تشرين الأول الجاري السفير العراقي لتسلمه مذكرة احتجاج على مهاجمة حكومته وبرلمانه للوجود التركي في الموصل، وردًا على ذلك، استدعت الحكومة العراقية أيضًا سفيرها من أنقرة، تعبيرًا عن احتجاجها حيال “الانتهاكات التركية للسيادة”.
وفي مؤتمره الصحفي بالأمس 6 تشرين الأول، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم إن “تغاضي الحكومة العراقية عن قوات 63 دولة على أراضيها بداعي محاربة الإرهاب، ثم التركيز على الوجود التركي بشكل خاص يعتبر أمرًا غير منطقي ولا ينم عن حسن نية.”
وأضاف يلدرم أن “تركيا لن تعير أي أهمية لتصريحات الحكومة العراقية، وستبقي قواتها هناك في سبيل محاربة داعش ومنع تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة، فبينما تتواجد قوات لبلدان عدة لا علاقة لها بالمنطقة لا من قريب ولا من بعيد في العراق، تتجاوز الحكومة العراقية حدها بالتحدث بهذا الشكل عن تركيا ذات التاريخ العريق والمعروف في المنطقة.”
ورأى محللون سياسيون أن الحكومة العراقية تماشي الموقف الإيراني في طلبها انسحاب القوات التركية.
وفي سياق متصل، تساءل الكاتب السياسي الليبرالي التركي “أحمد هاكان” عن السيادة التي تتحدث عنها الحكومة العراقية ذات الحدود المخترقة من كل جهة؟
وبيّن في مقاله “يا عراق أنت مضحك جدًا عندما تتحدث عن السيادة” أن العراق سلم الموصل للإرهابيين على طبق من ذهب ودون إطلاق رصاصة واحدة، وبارزاني يسير بالشكل الذي يريده ولا يحرك ساكنًا لأنه عاجز، وما إن تعرض لأزمة أمنية أو اقتصادية يركض مسرعًا نحو أمريكا، وفي ظل هذا العجز كله يصرخ مستنجدًا ومدعيًا أن تركيا التي أتت للتعاون معه في محاربة الإرهاب تحتل أرضه، عن أي سيادة تتحدث يا عراق؟ أنت تتحرك وفقًا للتوجيهات الإيرانية التي أفقدتك السيادة بشكل حقيقي.”
ومن جهته، عبر الخبير السياسي محرم ساري كايا، في مقاله “ما خلف بعشيقة”، عن استغرابه الشديد من الموقف العراقي “المتقلب” وفقًا للضغوط الخارجية، مشيرًا إلى أن العبادي الذي اقترح على تركيا إقامة القاعدة التدريبية في بعشيقة، يأتي اليوم لينكر ذلك، وقال: “قبل أن يتحدث العبادي عن السيادة أنصحه بمذاكرة ما تنص عليه الأعراف الدولية حيال احترام التعاون مع الدول الجارة.”