تستعد تركيا لسيناريو التدخل البري العسكري في شمال سورية، لإقامة “شريط حدودي”؛ حمايةً لمصالحها وأمنها القومي، بعدما ارتفعت وتيرة التوتر، مع توافر تقارير أمنية تفيد بنيّة الأكراد شقّ ممر يصل “الدولة المنتظرة” بالبحر الأبيض المتوسط، وبما قد يؤدي -وفقاً لهذه المعلومات- إلى تهجير عرب وتركمان من المناطق التي سيسيطر عليها الأكراد.
عقد مجلس الأمن القومي التركي اجتماعاً أول من أمس، وتوازى ذلك مع تصريحات حاسمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكّد فيها أنّ تركيا لن تسمح بإقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، واصفاً ما يحدث في سورية والعراق بنظام “سايكس-بيكو” جديد.
بالطبع، مثل هذا الموقف يفضح علناً الخلافات العميقة بين الحلفاء الدوليين والإقليميين في الحملة الدولية على تنظيم الدولة، ويكشف كم هو هشّ ذلك التحالف، في ضوء المصالح الدولية والإقليمية المتضاربة. فالأكراد الذين يمثّلون الشريك الأكثر قرباً من الأميركيين في كل من سورية والعراق في الحرب البرية، هم اليوم على وشك الصدام المسلّح مع الجيش التركي، في حال قرر الدخول إلى الأراضي السورية والتوغل عشرات الكيلومترات لإقامة المنطقة العازلة.
على الصعيد الأردني، قرأنا تحليلات وتكهّنات حول توسع الدور الأردني وتمدّده. لكن الثابت إلى الآن أنّ المقاربة الرسمية ما تزال تعتمد على حماية الحدود، والاعتماد على “شبكة الأصدقاء” المحليين؛ سواء عشائر الأنبار والقوى السُنّية الصديقة في العراق، أو حتى “الجبهة الجنوبية” (الجيش الحرّ في الجنوب)، للحدّ من تأثير “تنظيم الدولة ” والفصائل المشاكلة له على الأمن الوطني الأردني، مع وجود جهود موازية لبناء جسور علاقة مع قوى في المناطق الشرقية لسورية.
وإلى الآن أيضاً، تحظى هذه المقاربة بالقبول والتوافق الرسمي والشعبي، مع عدم وجود أي رغبة داخلية في التدخل في الجوار المضطرب، بما يحمله ذلك من كلفة كبيرة وخطيرة، فالدعم الأردني للشركاء والأصدقاء والحلفاء يكتفي بالتدريب والدعم اللوجستي والأمني والجانب العمليّاتي عن بعد.
لكن هذه المقاربة التي أثبتت نجاعتها وذكاءها، خلال الأعوام الأربعة الماضية، تمرّ اليوم باختبار صعب جداً مع التطورات المتتالية من جهة الشمال. فهناك مؤشرات حقيقية على تراجع النظام السوري وفقدانه للمبادرة، وربما التفكير في اقتصاد مساحة اشتباكه العسكري، لتقتصر على مناطق معينة، ما يفتح الباب مشرعاً أمام حالة الفوضى الداخلية والاضطرابات بين الفصائل المختلفة.
يراهن الأردن على الجبهة الجنوبية، التي تشكّلت مؤخراً، لترتيب أوضاع تلك المناطق. لكن هذه الجبهة، وبالرغم من أنّها استبعدت رسمياً “جبهة النصرة” (التي تشكل العمود الفقري لجيش الفتح مع حركة “أحرار الشام”) من “عاصفة الجنوب” الأخيرة، إلاّ أنّها قبلت بمشاركة محدودة في المعارك للنصرة والأحرار والفصائل الأخرى الشبيهة بها أيديولوجيا، مثل كتيبة المثنى. ما أدى إلى امتعاض المسؤولين الأردنيين، الذين لا يريدون أي تواجد أو حضور لجيش الفتح وفصائله في هذه المناطق. وهو شرط تقبل به “الجبهة الجنوبية” على مضض ومن غير قناعة حقيقية به، لأنّه يدخلها في صراعات وصدامات داخلية أخرى!
ما تزال المقاربة الرسمية (بعدم التدخل العسكري) صامدة إلى الآن. وما نأمله هو أن تبقى كذلك، وألاّ نضطر إلى التفكير في خيارات أخرى، كما يفعل الأتراك. لكن ذلك قد يتطلب تطويراً للرؤية الاستراتيجية للعلاقة مع الفصائل المختلفة والمجتمع المحلي السوري وتحسينها. وربما تساعد سيطرة الجيش الحرّ على درعا في عودة نسبة من اللاجئين في الأردن خلال الأعوام القليلة المقبلة، ويساعد الأردن في بناء القنوات لتحقيق حلم العودة لهم وتخفيف العبء عن المملكة!
الغد الاردنية= محمد أبو رمان