حتى الآن، أفادت التقارير عن التعاقد مع شركتين روسيتين طبقاً لهذه السياسة الجديدة، وهما شركة إفرو بوليس، التي ستحصل على جزءٍ من أرباح حقول النفط والغاز التي تستولي عليها من تنظيم داعش باستخدام الجنود المتعاقدين، وشركة سترويترانسغاز، التي وقَّعت صفقةً للتنقيب عن الفوسفات في موقعٍ كان حينها تحت سيطرة مقاتلي التنظيم.
هذه الاتفاقيات المُبرَمة مع الحكومة السورية تُعَدُّ حافزاً للشركات التابعة لمتعهدي الأمن الروس، الذين تفيد التقارير بنشرهم 2500 جندي في سوريا، لطرد تنظيم داعش من المناطق القريبة من مدينة تدمر (وسط سوريا)، حسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
واضطلعت الشركات الخاصة، خلال السنوات الأخيرة، بمجموعة متزايدة من المسؤوليات، حيث إن الاستعانة بمصادر خارجية للحرب، من تحليل الأمن والاستخبارات، إلى أدوار التدريب والأدوار القتالية، فيما أثيرت تساؤلات عما إذا كانت هذه الشركات ضرورة عسكرية أم مرتزقة العصر الحديث.
وكانت وكالة الأنباء الألمانية قد ذكرت في مارس/آذار 2017، أن القوات الروسية سيطرت على 3 من حقول النفط والغاز شمال غربي مدينة تدمر السورية بعد انسحاب تنظيم “الدولة الإسلامية” منها، وفقاً لما نقله عنها موقع قناة الجزيرة.
ونقلت الوكالة عن مصدر ميداني قوله إن قوات روسية سيطرت مع الفيلق الخامس التابع للنظام السوري على حقول جحار والمهر وجزل دون اشتباكات، بعد انسحاب تنظيم الدولة منها.
وذكر المصدر أن السيطرة على حقل جزل تمت بعد عملية إنزال نفذتها قوات خاصة روسية في هذا الحقل الذي يعد الأهم بين حقول هذه المنطقة.
وحسب التقرير، فإنه بينما يركز الروس عملياتهم على آبار النفط والغاز، يقاتل أفراد حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني على محور مناجم الفوسفات السورية التي تطمح إيران إلى استغلالها بموجب اتفاق وقعته مع النظام السوري مطلع العام الجاري.
ورغم أنَّه يُشتَبَه في توقيع صفقاتٍ مشابهة بمعظم الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، فإنَّه نادراً ما يتم التصريح بهذه الصفقات كما حدث في حالة روسيا، حسب وصف تقرير نيويورك تايمز.
لا مناقصات
وأعلن الرئيس السوري بشار الأسد في أبريل/نيسان 2017، أن حكومته بدأت توقيع اتفاقات مع شركات روسية في قطاع النفط والغاز، وفقاً لما نقلته صحيفة القبس الكويتية عن وكالة رويترز.
كما كشفت مصادر مطلعة في دمشق أن نظام بشار الأسد وقَّع أخيراً اتفاقات استكشاف وتنقيب واستخراج، للنفط والغاز في سوريا، مع شركات روسية هي “زاروبيج نفط” و”لوك أويل” و”غازبروم نفط”. وتوقعت أن يبدأ العمل ببعض المواقع، شرق مدينة حمص (وسط سوريا)، قريباً.
وقالت المصادر لـ”العربي الجديد” إن زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي، دميتري روغوزين، في مارس/آذار 2017 لدمشق، أسفر عنها الاتفاق النهائي، للتنقيب وإعادة ترميم وتشغيل بعض الآبار النفطية بسوريا، على أن تتابع الشركات الروسية التنقيب والاستخراج، بمناطق الجزيرة السورية التي يسيطر عليها اليوم تنظيم داعش وبعض الفصائل الكردية.
وأشارت المصادر إلى أن 14 شركة نفطية عالمية، غادرت الأراضي السورية، منذ بداية الثورة وفرْض العقوبات الأميركية والأوروبية على نظام الأسد، كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يومياً، إلى جانب 7 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي؛ ما جعل الاستثمار بهذا القطاع مفتوحاً “لأصدقاء سورية”، بحسب نص الاتفاقات وتعبير النظام السوري.
ورأى الاقتصادي السوري حسين جميل، من إسطنبول، أن تلك الاتفاقات التي بدأها النظام السوري العام الماضي بنحو مليار دولار مع روسيا، لا تتعلق بالفراغ الذي شكله انسحاب شركات النفط العاملة بسوريا قبل الثورة؛ بل هي مكافأة لنظام فلاديمير بوتين، حسب تعبير “جميل”، على إبقاء الأسد على الكرسي ومنع السوريين من إسقاطه. وهي بمثابة تسديد للديون التي قدمتها روسيا الاتحادية للنظام السوري، عبر القروض والأسلحة.
وتساءل الاقتصادي السوري: لماذا لا يتم إعلان مناقصات للشركات العالمية النفطية؛ لتأتي إلى سوريا بهدف الاستكشاف والتنقيب وإعادة تأهيل الآبار التي هدمتها الحرب؟ لا بل يتم تخصيص روسيا بالنفط والغاز، وإيران بالكهرباء ومشاريع استثمارية أخرى ذات دورة رأسمال سريعة، كالخليوي والعقارات.
وأشار جميل لـ”العربي الجديد” إلى أن روسيا هي من تستعجل الوجود على الأرض السورية، بهدف تحصيل الأموال والسيطرة على الأرض؛ لقطع الطريق على الأنبوب النفطي “العراقي-السوري-اللبناني” المتوقف منذ عام 2003 وقطع المشروع القطري الغازي باتجاه تركيا فأوروبا.
الأمن مقابل النفط
ونقلت “نيويورك تايمز” عن إيفان كونوفالوف، مدير مركز دراسات الاتجاهات الاستراتيجية، قوله في اتصالٍ هاتفي عن تلك الاتفاقات التي أُبرٍمَت في ديسمبر/كانون الأول الماضي ولم يُعلَن عنها سوى مؤخراً، إن “الأمر غاية في البساطة. إذا وفَّرت شركةٌ ما الأمن، فعلى الدولة التي تحصل على الخدمة أن تدفع مقابلها. والطريقة التي يتم بها دفع المقابل غير مهمة”.
وأفاد موقع “فونتانكا” الإخباري الروسي بأنَّه في صفقة النفط ستحصل شركة إفرو بوليس، التي أُسِّسَت الصيف الماضي (صيف 2016)، على حصةٍ قدرها 25% من إنتاج النفط والغاز الطبيعي من الأراضي التي تستولي عليها من تنظيم داعش.
ونشر الموقع في الفترة الماضية عدداً من التقارير الدقيقة عن شركات الأمن الخاصة في روسيا، والشهر الماضي أكدت واشنطن أحد التقارير التي نشرها الموقع في السابق حين فرضت مجموعةً من العقوبات على شخصٍ روسي ظهرت أنشطته للمرة الأولى في هذا التقرير.
ويروي تقرير لموقع فونتانكا، نشر الأسبوع الماضي عن هذا الموضوع، كيف أنَّ شركة إفرو بوليس كانت تتعاون مع مجموعة خدماتٍ أمنية خاصة روسية سرية تُدعى فاغنر، وهي مجموعة تزعم العقوبات الأميركية أنَّها وفرت أيضاً جنوداً متعاقدين في الحرب بأوكرانيا.
صفقات مختلفة
ووفقاً لـ”نيويورك تايمز”، فإن هذه الصفقات تختلف عن الممارسات الشائعة التي تلجأ إليها شركات النفط الكبرى وغيرها، والتي تستعين بشركاتٍ خارجية لتقديم الخدمات الأمنية في المناطق الساخنة بالشرق الأوسط وغيره من البقاع بأنحاء العالم؛ إذ تُفِيد تقارير موقع فونتانكا بأنَّه بموجب هذه التعاقدات، لا تقوم الشركات فقط بحراسة آبار النفط، لكن السيطرة عليها أولاً.
وجاء بالتقرير: “هذا الإجراء يعود إلى زمن القبطان فرانسيس درايك وملك الماس سيسيل رودس“، في إشارة إلى شخصيتين شهيرتين بالتاريخ البريطاني، مزجت حياتهما المهنية بين الحروب والأرباح الخاصة.
علاقة بوتين بهذه الصفقات
ووفقاً لسجلات موقع فونتانكا وبعض الشركات العامة في روسيا، فإنَّ شركة إفرو بوليس جزءٌ من شبكةٍ من الشركات يمتلكها يفغيني بريغوزين، وهو رجل أعمال من مدينة سان بطرسبرغ، ومقرَّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومعروف باسم “طباخ الكرملين”؛ بسبب عقود الخدمات الغذائية الحصرية التي أبرمها مع الإدارة الروسية، فضلاً عن تقديم شركته، كونكورد كاتيرينغ، المواد الغذائية للعديد من مدارس موسكو العامة، حسبما نقلت “نيويورك تايمز” عن تقارير إخبارية روسية.
وذكر صحفيون أنَّ بريغوزين شارك مؤخراً في تجربةٍ روسية أخرى لاستعادة النفوذ خارج البلاد مع الحفاظ على قلة التكاليف؛ إذ أسَّس بريغوزين مصنعاً لمن يُطلَق عليهم “المتصيدون عبر الإنترنت” في سان بطرسبرغ، وهو مكتبٌ مكتظٌ بأشخاصٍ يتقاضون أجوراً زهيدة، وينشرون منشوراتٍ على الإنترنت تحت هويَّاتٍ زائفة؛ للتأثير على الرأي العام في دول أجنبيةٍ، من بينها الولايات المتحدة.
وفي الشهر الماضي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتٍ على ديمتري أوتكين مؤسس شركة فاغنر، وهي مجموعة الشركات الأمنية الخاصة التي أفاد التقرير بأنَّها ستستولي على آبار النفط والغاز السورية لصالح شركة إفرو بوليس. وكان موقع فونتانكا قد ذكر صلة أوتكين بشركة فاغنر لأول مرة في أحد المقالات التي نشرها الموقع عام 2015.
وفي الصفقة الأخرى، فازت شركة الطاقة الروسية سترويترانسغاز بحقوق استخراج الفوسفات وسط سوريا، شريطة أن تؤمِّن موقع المنجم، وفقاً لما نشرته القناة الإخبارية الروسية RBC.
وأبرمت شركة سترويترانسغاز، التي تعود ملكية معظم أسهمها لغينادي تيمشينكو، وهو روسي آخر واقعٌ تحت عقوبات الولايات المتحدة، صفقةً مع الحكومة السورية لاستئناف أعمال الاستخراج في منجم الشرقية للفوسفات، الذي كان تحت سيطرة “داعش” آنذاك، وفقاً لما نشرته قناة RBC. وبموجب الاتفاق، سيتكفل متعهدٌ عسكري روسي خاص ومجهول بحراسة الموقع.
لكن، في تلك الصفقة، تكفَّل جنودٌ روس، وإيرانيون، وسوريون، وليس الجنود المتعاقدون، بتنفيذ عمليات طرد مقاتلي داعش من موقع المنجم في مايو/أيار 2017، وفقاً لما نشرته قناة RBC.
وانتظاراً لتلك العوائد التجارية، كانت سفينةٌ روسية مُحمَّلة بمعدات تعدين قد رَسَت في ميناء طرطوس السوري، حيث تمتلك روسيا قاعدةً بحرية، حتى قبل بدء العملية العسكرية في سوريا لاستعادة المنجم.
ولم يُعلِّق المسؤولون الروس علانيةً على أيٍّ من الصفقتين، ولم تُِجِب وزارة الطاقة الروسية عن أسئلةٍ مكتوبة بخصوص صفقة النفط والغاز المذكورة في التقرير، ولم يرُد مالك شركة إفرو بوليس على رسالةٍ إلكترونية مُرسلة لأحد العناوين الواردة في سجلات الشركة.
وحين سُئل دميتري بيسكوف، المتحدث الصحفي باسم الكرملين، خلال مكالمةٍ هاتفية جماعية مع الصحفيين عن صفقة النفط السوري، قال: “نحن لا نراقب بعض أنشطة الأعمال التجارية” التي تنفذها شركاتٌ روسية خارج البلاد.
وقال: “ليس لدينا أي معلومات حول هذه المسألة، ونحن لا نراقب أي عمليات تجارية لشركاتنا أو كياناتنا الاعتبارية في الخارج”، وفقاً لوكالة تاس الروسية.
وأشارت الوكالة إلى تقرير موقع فونتانكا الذي قال إن شركة “يورو بوليس” حصلت على تصريح لتنظيف وحراسة حقول النفط والغاز التي سبق أن استولت عليها قوات المعارضة من الحكومة السورية.
وحسب التقرير، فإن الشركة وقعت مذكرة مع الحكومة السورية تنص على أنها ستحصل على ربع العائدات من مبيعات النفط والغاز المنتجة في تلك الحقول.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن المحلل العسكري كونوفالوف أنَّ النظام السوري كان أكثر من مستعد للموافقة على هذه الصفقات، ومقايضة الموارد الطبيعية بالأمن.
وأضاف: “إنَّهم الطرف الفائز بالنصيب الأكبر في هذا العقد؛ إذ يحظون بمشاركتنا في القطاع الأمني بسوريا، وهذا أمرٌ مُفيدٌ جداً بالنسبة لهم”.
ورجَّح تقرير فونتانكا أنَّ المتعهدين الأمنيين الروس قد بدأوا بالفعل في تنفيذ الاتفاق، وشرعوا في القتال لطرد “داعش” من حقول الغاز الطبيعي بالقرب من تدمر.
يُذكَر أنَّ الروس يتدربون ويقاتلون إلى جانب وحدةٍ من الجيش السوري تُسمَّى “صائدو داعش”، والذين تروَّج أعمالهم البطولية على نطاقٍ واسع في وسائل الإعلام الإخبارية الروسية الحكومية.
ووضع تقرير فونتانكا رابطاً لمقطع فيديو صُوِّرَ بكاميرا مُعلَّقة في ملابس جندي يتحدث باللغة الروسية كان برفقة مجموعةٍ من “صائدي داعش” في أثناء تبادل إطلاق نار في الصحراء.