مشكلة قديمة حديثة تطل برأسها بين الفينة والأخرى، لتآتي بالفواجع وتخلف وراءها الآلام والأحقاد، إنها مشكلة الأخطاء الطببة.
لايخفى على أحد منا العدد الكبير من المشافي الميدانية والمراكز والنقاط الطبية التي انتشرت على رقعة المناطق المحررة بعيد تحريرها، وذلك لتلبية حاجات المجتمع المحلي الماسة لها في هذه المناطق، خاصة بعد توقف جميع المراكز الحكومية بنفس المجال عن العمل، والقصف المستمر والمتكرر لهذه المناطق الذي يخلف إصابات متفاوتة تحتاج كلها لعمل تلك المراكز.
كما أن عدد الكوادر الطبية اللازم لتغطية حاجة هذه المناطق انخفض إلى النصف نتيجة ماتعرض له عاملو هذا القطاع من استهداف ممنهج ؛ ناهيك عن الذين غيبوا في السجون والذين وجدوا في الخروج خارج البلاد ضالتهم.
ومع هذا الواقع تعود مشكلة الأخطاء الطبية لتطل من جديد ، حيث شهد ريف إدلب الجنوبي في الآونة الاخيرة، وبفترة متقاربة وقوع خطأين طبيين أديا إلى وفاة سيدتين من هذه المناطق.
وقد كثر الحديث واللغط والآخذ والرد في المجتمع المحلي كثيرا حول الموضوع، وبدأ سيل من الاتهامات والغضب الشعبي يوجه نحو المشافي المسؤولة واتهامها بالإهمال والتقصير وأنها تحولت إلى مؤسسات ربحية الغرض منها جني “الدولار “فقط على حد تعبيرهم.
في حقيقة الأمر إن الخطأ الطبي على بشاعته، هو أمر واقعي ويمكن أن يحدث في أي مكان من العالم هذا من ناحية؛ ومن ناحية ثانية بالتأكيد لن ننفي المسؤولية عن الكادر الطبي الذي وقع الخطأ تحت بصره وبيده أيضا وللأمر هنا شقان اثنان، الأول هو قضية الإهمال واللامبالاه تجاه التعامل مع المرضى المراجعين بداعي الكثرة في عددهم قاصدين الخدمات المجانية وهذا شيء بالفعل يدعو للغضب والمساءلة .وثانيهما -وهو الأرجح – اعتماد معظم هذه المشافي على مايسمى “بممرض الخبرة” وهو أو هي الممرض الذي لايحمل إجازة رسمية بعد دراسة أكاديمية تخوله العمل في الميدان الطبي، وكل مايملكه هو شهادة خبرة بأنه اتبع دورات عملية في التمريض وعمل في مشاف سابقة على أساسها فاكتسب الخبرة. وبالطبع الأجور لمثل هؤلاء تكون مخفضة مقارنة بصاحب الاختصاص وربما يكون هذا السبب وراء قبولهم بيسر في مثل هذه المشافي ؛ التي تبرر الأمر لنفسها بطبيعة الحال بقلة أو نقص الكوادر الطبية للأسباب المذكورة آنفا.
وللإنصاف علينا بحكم مهنتنا سماع وجهات النظر المختلفة وتبيانها، فنرى بأن هناك بالفعل جانبا من الحق يقع على عاتق المرضى المراجعين.
تقول إحدى الطبيبات العاملات في مشفى ميداني تخصصي بامراض النساء والتوليد “تأتي إلينا المريضة على آخرنفس، ويقول مرافقوها -كرمال الله أسعفونا-وبدافع الإنسانية وواجبنا كمشاف تعمل لغرض خدمة سكان المناطق المحررة، نقوم فورا باستقبالها ونجري لها اللازم، وكثيرا مانتفاجأ بمضاعفات بعد العمل الجراحي ونكتشف بأن المريضة كانت تعاني من أمراض مزمنة أو خطرة تجعلها غير قادرة على تحمل عمل جراحي ومضاعفته، كارتفاع الضغط الفجائي أو الصمة الرئوية وهو ماأخفاه عنا مرافقوها طلبا للخدمة المجانية وخوفا من تحويلهم على نقاط أكثر تطورا، ومن ثم وعندما يقع المحظور ييدأون بطلب المحاسبة والمعاقبة”.
وهكذا نرى أخيرا وليس آخرا أن المشكلة متشابكة ومتشعبة الأسباب، وبنفس الوقت هي بشعة تهز الضمير المجتمعي لأنها تتسبب بإهدار حياه إنسان لسبب تافه، فهل سنجد عما قريب تجاوبا من المسؤولين عن دعم القطاع الطبي للارتقاء بمستوى العمل والكادر العامل في مشافيهم ومراكزهم، ومحاسبة كل من يخطئ بتقصير أو إهمال؟؟؟؟ وعلى الطرف الآخر هل تكون الحوداث الأخيرة بمثابة إنذار للمراجعين يدفعهم لقول الحقيقة وبيان وضعهم الصحي قبل أن تقع الفأس بالرأس؟؟؟ أسئلة تنتظر اﻹجابة وهي برسم الجميع.
شاديا الراعي -المركز الصحفي السوري