تناولت قنوات وصفحات مواقع إخبارية وإعلامية كثيرة خبرا ذا أهمية كبيرة إذا ما قُرئ قراءة صحيحة في سياقه وزمنه في آن واحدة، مفاد الخبر: “مقتل عسكري روسي في سوريا أثناء منعه وصول سيارة مفخخة إلى مكان توزيع مساعدات إنسانية”.
أثار الخبر ضجة إعلامية على تلك الصفحات والمواقع لما له من دلالة كبيرة سواء الصفحات المعارضة أم المؤيدة، ونحن اليوم نقوم بإجراء تحليل منطقي ولساني للخبر قبل أن نحدد حجم الفائدة والخسران، والأثر المعنوي على الجانبين المؤيد والمعارض.
فالصفحات المعارضة مجّدت الخبر واحتفت به وحرصت على أن يبقى في شريط عاجلها، ووصفت هذا الخبر بأنه من أقوى أخبار ذلك اليوم، لسببين:
– الأول أن مصدر الخبر موثوق لا يمكن الشك بصحته قناة “روسيا اليوم” الناطقة بالعربية، على كافة صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدين على مثل عربي أصيل ” من فمك أدينك” إذ وجدت تلك الصفحات المعارضة في اعتراف “RT” بمقتل عنصر روسي قوة للخبر وتأكيدا لحدوثه.
– أما الثاني فهي في بنية الخبر إذ جعلت “RT” العنصر القتيل هو تتمة العدد “10” بمعنى أن قوة الخبر في استمرار وتكرار الحدث فقد أشارت أن هذا العنصر هو العنصر العاشر الذي يقتل في سوريا، عدا صفحة إعلامية واحدة أشارت إلى أنه العنصر رقم “11” ولا ندري من أين لها الرقم (11) إن كانت RT” ” تؤكد أنه الرقم “10”.
إن مقتل العنصر الروسي العاشر يمثل جانبا كبيرا من الأهمية بالنسبة للمعارضة ودفعا معنويا لها، إن هذه الأرض مقبرة الغزاة وكثيرا ما تغنى الشعراء والكتاب بمثل هذه الأفكار..
إلا أن المتابع للمفردات التي بني عليها العنوان فقط لا بد له من فهم أمور أخرى تصب بقدر من الفائدة في مصلحة النظام والقوى الإقليمية والدولية المؤيدة أكبر بكثير مما تصبه في مصلحة الجانب المعارض، ذلك على نواح عدة أهمها:
– عنصر روسي يقتل في سوريا: أي دفاعا عن الأرض السورية وهذا ما استثمرته الصفحات المؤيدة بنشرها دعوات للشباب في المناطق المؤيدة والواقعة تحت سيطرة النظام أن الروسي يدفع دمه دفاعا عنا، فلا بد من التلاحم والتكاتف والعمل على دفع كل مواطن دمه في سبيل قتال المعارضة والتخلص منها، وهذا ما أكده ناشطون في أن قادة الحواجز في مختلف المدن السورية الواقعة تحت إدارة النظام بدأت تقوم بإنزال الشباب وسوقهم للالتحاق إلى القطع العسكرية بالذريعة ذاتها.
– رسالة سياسية كبرى في نص العنوان قائمة على جملتين (مقتل عنصر روسي في سوريا، أثناء منعه من وصول سيارة مفخخة إلى مكان توزيع مساعدات إنسانية) ملخص العنوان يقوم على مقولتين عملت RT” ” على استثمارهما بقوة هي مقتل عنصر روسي أثناء حمايته مساعدات إنسانية وهذا قد يبرر للغرب بأكمله زيادة دعمه العمليات العسكرية الروسية وسكوته عن الاختراقات الإنسانية والمدنية التي يقترفها، كونه ينصب نفسه حليفا للأسد في حربه للإرهاب لطالما أصرت روسيا، على مستوى رفيع، أن حربها في سوريا ليس لحماية الأسد “فمصير الأسد يقرره الشعب السوري” لكن حربها في سوريا حرب على الإرهاب هذه الجملة الخبرية يمكن لها في قراءات الفكر الغربي أن تؤدي إلى:
1- تبرير أوروبي وأمريكي للتواجد الروسي في سوريا إنه الجانب المشرق من الأمر، مساعدات إنسانية- الحرب ضد الإرهاب – ومنه يمكن لها تبرير بعض الضربات لقواعد معتدلة من الجيش الحر تحت الرعاية الأمريكية كونها تبرر منذ أيام أن الأمور على الأرض مختلطة، وروسيا غير قادرة على تمييز الفصائل الإرهابية من الفصائل المعتدلة التي تحظى برعاية غربية، إنها بطاقة أمان للروس لضرب الجميع تحت شرعية توجيه الضربات والثاني اختلاط الأمر، لعدم وجود خريطة تميز هذا عن ذاك.
أما المقولة الأشد تأثيرا في فت عضد المعارضة من جهة وشد ذراع النظام من جهة ثانية فهي في شخص الفاعل الذي أقدم على الفعل ونوع ذلك الفعل، سيارة إرهابية متفجرة، وكأن الرسالة السياسية للغرب وللداخل المؤيد لا بد لها من تعاضد كل من موت العنصر الروسي دفاعا عن الإنسانية متمثلة بسيارات الإغاثة، مع آلة القتل المتمثلة بسيارة إرهابية.. في هذا المساق يمكن أن يبرر الغرب بأكمله التواجد الروسي في المنطقة مع ضمان عدم قدرة من تبقى من أنصار الشعب السوري على الكلام أو حتى نقد ما يحدث في سوريا فهو في هذه الحالة سيكون خارجا عن السرب خارجا عن الأهداف الكبرى التي وجدت من أجلها الأمم المتحدة المتمثلة بالدفاع عن الإنسانية ومساعدة المدنيين خلال الحرب – الحرب على الإرهاب كل هذا كان في خبر لا يتعدى سطرين على شريط عاجل.
ما يثير الاهتمام حقا هو احتفاء كل الصفحات المؤيدة والمعارضة على حد سواء بهذا الخبر عن قصد أو عن جهل، لما قد يجر خلفه من تبعات، وقد استطاعت” RT” أن تنسج حبكة الخبر بمستوى عالٍ من المهارة؛ إذ أكملت الخبر بأن العنصر لم يمت على الفور بل نقل إلى المركز الطبي في “حميميم” لكن لم يستطع أن بفعل الأطباء له شيئا “.. لشدة الإصابة بجراح تعرض لها جراء انفجار المفخخة التي استهدفت سيارة المساعدات الإنسانية ، وقد مات في اليوم الثاني” لترسم RT”” الصورة الحزينة لموت عنصر روسي وآلامه على يومين متتالين مع عجز الأطباء عن مساعدته كل هذا في سبيل حماية أحد مبادئ الأمم المتحدة (مساعدة المدنيين خلال الحرب) هذه الصورة الحزينة موجه للداخل الروسي الذي قد تراوده نفسه في المطالبة بعودة أبنائه من حرب خارج الحدود هذا سيعزز فكرة الروسي البطل الذي ذاق الآلام ودفع دمه دفاعا عن المبادئ الأممية في حماية الإنسان.
المركز الصحفي السوري- علاء العبدالله