أحمد الأحمد
يقف أبو براء كشجرة السنديان الشامخة أمام جثمان أبنه براء ليرفع الأذان في الناس ويدعو لصلاة الجنازة , الصلاة على جثمان ابنه براء, وقف الاب بعزة وفخار ينادي ابنه المسجى في التابوت : أنا ربيتك وعلمتك كل شبر بنذر لتكون فداءً لله والوطن كنت أنتظر الوقت لأقف على جثمانك أودعك كشهيد, كلمات جعلت الرهبة والخشوع تدخل النفوس الجاهشة بالبكاء , حشود من البشر إجتمعت لوداع الشاب المهذب الذي عرف عنه حسن التعامل ودماثة الأخلاق والأدب.
يشهد و سط سورية معارك طاحنة بين النظام وقوت المعارضة على إعادة السيطرة على الطريق الدولي الذي يصر النظام على استرجاع هذه المنطقة الحيوية بالنسبة له والتي تعتبر طريق الإمداد لقواته المتواجدة في ريف إدلب وفي هذه المعارك التي تشهدها المنطقة جعلت النظام يخسر أكثر من ألف عنصر و ضابط من قواته التي زجها في المعركة والعشرات من الآليات الثقيلة .
فقد حدثنا الرائد جميل الصالح القائد الميداني للجيش الحر في ريف حماة الشمالي وقال النظام خسر مايقارب الألف مقاتل من جنوده و 70 دبابة وعشرات السيارات والمدرعات على مدار التسع شهور الفائتة في المنطقة.
أما الخسائر البشرية في صفوف الثوار فقد تم إحصاء 90 شهيد منذ بداية المعارك في شباط الفائت وكان براء أحد الشبان المتطوع للقتال والمدافع عن المنطقة وشارك في عشرات المعارك وساهم في تحرير مدينة خان شيخون و عدة بلدات وقرى عرف عن هذا الشاب حب التضحية والإخلاص في العمل .
يحدثنا عمر أحد أصدقائه ويقول براء ابن التسعة عشر ربيع من أوائل المنتسبين للثورة والمواظبين على العمل الثوري المنخرطين في الحراك, شارك بعدة معارك شُهد له بالبطولة وحب التضحية, منذ أيام قضى أخر أيامه معنا في هذه الدنيا قدم روحه فداء لكل من يفتدى , لم يكن له هدف بعمله غير إعلاء كلمة الله وتحرير البلاد من النظام السوري الذي أفلح في الإجرام.
البطولة الأكبر في قصة هذا الشاب, هو موقف أباه الحاج أبو براء, الذي استقبل نباء استشهاد ابنه بالشكر والحمد لله على هذه المكرمة . يقول خالد الجار القريب على بيت أبو براء, و يعمل في نفس الفصيل العسكري الذي ينتمي له براء , كنت قد كُلفت لإخبار عائلة براء باستشهاد ابنهم , وقفت مترددا أمام باب منزلهم و حائرا ماذا أقول لهم , بعد تردد طويل قرعت الباب فخرج لي أبو براء,
فقلت له براء و سكتت فأكمل هو الجملة وقال استشهد الحمد لله الحمد لله على هذه النعمة الكبيرة, فما كان مني إلا البكاء لهذا الموقف العظيم من أب مكلوم.
يقول الجيران خرجنا على أصوت أبو براء وهو ينادي هنئوني فقد استشهد ابني براء, هنئوني كررها عشرات المرات بطريقة تذهل السامع لدرجة أن المتواجدين حول أبو براء جميعهم يبكون ما عدى أطفال صغار كانوا بالمكان .
في المقبرة هناك حيث اجتمع المئات لتوديع الشاب الخلوق و مواساة أباه هكذا ضن البعض و قف الأب بينهم بقامته الطويلة لينادي جميع المتواجدين, و يقول : أنا ربيته و علمته لمثل هذا اليوم ليهنئني الجميع بنول ابني الشهادة وأنا من سيكون إمام المصلين على جثمان ابني و بدأ برفع الأذان, والناس تشعر بالقشعريرة التي صابت الأبدان من قوة إيمان هذا الرجل البسيط المزارع الذي نذر نفسه وأبناءه لله والوطن.
يقول أحمد أحد المشاركين في صلاة الجنازة مساء ذاك اليوم, في معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي لم أستطع أن أمسك نفسي, عن البكاء عندما شاهدت أبو براء يقف ليكون أمام المصلين, على جثمان ابنه براء بدأت قشعريرة تسري بكل جسمي راح جسمي يرتجف ، شعرت بأن ثورتنا منتصر بعون الواحد القهار شعرت بتفاؤل بالثورة لم أشعر به من قبل , قبل هذه الصلاة كنت يائس من النصر, لكن الآن أخجل من نفسي من هذا الشعور باليأس الذي راودني و لو للحظات والآن كلي ثقة مادام بيننا كابو براء بأننا منتصرون وسنغير وجه العالم بدروس التضحية والفداء التي يقدمها المجاهدون الأبطال وأهاليهم في سبيل دفع الظلم عمن ظلمهم لسنين.