الأبعاد الاستراتيجية لمعركة الساحل السوري
تدور منذ أكثر من اسبوعين معارك طاحنة بين «الجيش السوري الحر» وقوات النظام السوري للسيطرة على شمال منطقة الساحل السوري، بعدما أعلن «الحر» بدء «معركة الأنفال» لتحرير الساحل، وذلك على ثلاثة محاور: جبل السمراء، وتلة «المرصد 45»، ومعبر «كسب» الحدودي مع تركيا. وبفتح هذه الجبهة على هذا النحو المفاجئ والقوي، يمكن المراقب للوضع السوري أن يستنتج بضع نقاط، أهمها تلاشي خطوط دولية وإقليمية حمر كانت تمنع «الجيش الحر» من الدخول إلى تلك المنطقة الاستراتيجية التي تعد المعقل الحقيقي الأول والملاذ الحقيقي الأخير لنظام الأسد.
ولعل من بين تلك الأسباب التي ساهمت في شكل جذري في زوال تلك الخطوط الحمر، أو في شكل أقل غض الطرف عنها،
محاولة النظام توسيع رقعة المناطق التي يسيطر عليها، ما بدا وكأنه سعي منه لتحسين موقعه التفاوضي أمام الائتلاف الوطني خلال مفاوضات جنيف الثانية. إلا أن النظام لم يقف عند تلك المحاولات وحسب، بل تعدّاها إلى مرحلة جديدة من التصعيد العسكري على الأرض، تمثلت في عمليات عسكرية كبرى استهدفت معاقل الثورة الرئيسة في حمص لتصل أخيراً إلى سلسلة جبال ومدن القلمون، تمهيداً منه لتأمين ما يمكن وصفه بالملاذ الأخير للنظام، المتمثل في إقامة «دولة الساحل العلوية»، ما يعني عملياً تقسيم سورية إلى دويلات عدة، وذلك في حال فشلت قوات الأسد في قمع الثورة، ما كشف للأطراف الدولية والإقليمية حقيقة هذه الأخطار، وحقيقة أن النظامين السوري والإيراني لا ينويان مع اذرعهما مطلقاً الوصول إلى أي حل سلمي وسياسي مع الائتلاف الوطني، وأن «جنيف 2» لم تكن سوى غطاء سياسي وإعلامي دولي استغله النظام للتغطية على هذه الحقيقة.
بهذا يمكن فهم أن «الجيش الحر» بفتحه هذه الجبهة، اختار الزمان والمكان المناسبين. فهو من جهة قطع الطريق على نظام الأسد لتأمين مشروع «الدولة العلوية»، بعدما تمكّن الثوار من الانتشار في جزء من جغرافيا الدولة المفترضة، ومن جهة أخرى استطاع أن يقود عملية الصراع إلى مرحلة جديدة شديدة التعقيد على النظامين السوري والإيراني، بسبب ما تتميّز به منطقة الساحل السوري من أرض جبلية وعرة وغطاء شاسع من الغابات المتداخلة، تجعل المعارك التي ستدور على أرضها تأخذ طابع حرب عصابات بعيدة عن المدن والمدنيين، ما يفنّد دعاية حلفاء النظام بأن الثورة تحولت حرباً أهلية.
لذلك، سيخطئ «الجيش الحر» إذا قاد هذه المعارك بالعقلية ذاتها التي قاد بها معارك القصير والنبك ويبرود والقلمون، ولكي يتجنب ذلك عليه أن يضع خطة حرب تستهدف بمجملها استنزاف قوات النظام، بأن تكون مبنية على مستويين، هما: التموضع في الغابات والجبال وضرب خطوط إمداد النظام. كذلك يجب أن ترتكز الخطة على أساسين: الأول أن الحرب مع النظام ليست متكافئة على الصعد كافة، والثاني يجب ألا تكون خطة الحرب مبنية على انتظار مساعدات عسكرية خارجية تحسم المعركة.
إإضافة إلى ذلك، فإن معركة الساحل السوري تتيح للثوار قطع خطوط إمداد جيش النظام إلى إدلب، ما سيدعّم من قدراتهم هناك، كما أن منطقة الساحل ليست قريبة حدودياً إلى لبنان، كالقلمون، ما يعني أن «حزب الله» في حال زج بقواته في هذه المعركة سيكون في اختبار حقيقي للحرب يختلف عن ذاك التي واجهه في القصير ويبرود والقلمون عموماً.
إن معركة الساحل ليست معركة ثانوية في عمر الثورة السورية، بل هي معركة مصيرية سترسم حدود «الشرق الأوسط الجديد» وقواه، وأن استمرارها سيخرج النظامين السوري والإيراني عن طورهما ويدفعهما إلى عمليات إرهابية، إن كان في سورية أو من خلال أذرعهما في لبنان والبحرين والعراق واليمن، والأيام المقبلة ستؤكد هذه الحقيقة.