ساهمت ظروف الحرب القاهرة والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، التي يتعرض لها السوريون بانتشار الأمراض النفسية بينهم.
فلم يكن الطب النفسي ذو أهمية، وعدد الأطباء النفسيين في سوريا كان محدودا، إذ كان التوجه لدراسة الطب البشري أكثر، ومع الظروف الاستثنائية التي خلفت الفقر والجهل والدمار ملقية بأوزارها على عاتق السوريين، بالإضافة للخسائر البشرية، كل ذلك أدى لظهور اضطرابات نفسية وعقلية وحالات من الاكتئاب أصابت معظم الفئات بما فيهم الأطفال.
وبحسب دراسة قامت بها رابطة الأطباء النفسيين التابعة لحكومة النظام، فإن عدد الأطباء النفسيين انخفض من 120 طبيبا ليصل إلى 72 طبيبا بسبب هجرة معظمهم خارج البلاد، ولا يكفي هذا العدد لتغطية معالجة كافة الحالات، ومعظمهم في دمشق إذ يكاد ينعدم وجودهم في باقي المحافظات.
الأطفال هم الفئة الهشة الأكثر تضررا ونخص بالذكر الذين فقدوا ذويهم في الحرب، ومن أبرز الأمراض النفسية التي سجلت حالاتها التبول اللاإرادي، والتأتأة، والتوحد والانزواء، والتراجع الدراسي، بالإضافة إلى العنف الذي يعتبر من أخطرها.
أم هاني من ريف حلب تقول: “كلما سمع ابني الصغير صوت طائرات النظام يبكي ويجلس في زاوية الغرفة ويشد شعره، وفي المدرسة أصبح يتعامل مع أصدقائه بعنف، مما دفعني للهجرة إلى تركيا بحثا عن طبيب نفسي لعلاجه، لكي أؤمن له جوا من الأمان بعيدا عن جو القتل والقصف”.
وفي دراسة قامت بها منظمة أطباء بلا حدود في مخيمات اللجوء السوري في العراق، فإن 15% من اللاجئين ظهرت عليهم أعراض الاضطراب العقلي الشديد، ومنها حالات الاكتئاب الهوسي والفصام والصرع التي استهدفت النساء اللواتي تحملن أعباء وهموم الحياة، فمنهن من فقدن أبناءهن أو أزواجهن أو تعرضن للعنف والاغتصاب، وقد سجلت عدة حلات انتحار نتيجة هذه الأمراض وصعوبة تأمين الأدوية المناسبة وغلاء ثمنها.
ولعل عامل الفقر هو أحد أكبر الأسباب المؤدية للإصابة بالاضطرابات النفسية والعصبية، فقد تسبب دمار البنى التحتية للعديد من المنشآت بارتفاع نسبة العاطلين عن العمل من الرجال الذين أصابتهم حالة من التوتر والقلق بالإضافة للوهن النفسي فكانت الحبوب المنومة والمهدئة حلا للكثير ممن ضاقت بهم سبل الحياة علها تنسيهم واقعهم المرير ولكن أين الرقابة على بيع هذه الأدوية التي يجب ألا تمنح إلا بوصفة طبية؟
فالمواطن السوري يعيش حالة من الضياع والتشتت مع انعدام الخيارات المستقبلية أمامه.
أبو سعيد رجل في الخمسين من مدينة دمشق يقول: “أعاني من ألم في المعدة وبعد الفحص والمعاينة تبين أن منشأ الألم نفسي وليس عضوي، إذ حدث الوجع مباشرة بعد نجاتي من انفجار عبوة ناسفة زرعت قرب مكان عملي، فقررت الذهاب إلى طبيب نفسي علي أجد ما يريح وجعي، وجدت صعوبة في أخذ موعد منه وعند دخول العيادة فوجئت بعدد كبير من المراجعين الذين ينتظرون دورهم”.
قامت العديد من المنظمات الإنسانية بإقامة دورات تدريبية للدعم النفسي، نظرا لندرة وجود الأطباء النفسيين وفي مقدمتها منظمة الهلال الأحمر سواء في داخل المدن أو في مخيمات النزوح، لتعطي المتضررين من الحرب دفعا معنويا فالصحة النفسية هي الأساس في حياة أي مواطن، ولليونيسيف دور لا يقل شأنا عن غيرها في انتشال الأطفال من البؤس والعزلة بهدف إنشاء جيل غير ضائع، الذي يعتبر الحلقة الأضعف فهو يشكل مستقبل سوريا.
نظام أودى بشعبه للهاوية ليبقى رئيسه متربعا على عرشه، وسوريون في مهب الريح يعانون من أمراض عديدة في مقدمتها النفسية ليسود التوتر والاضطراب حياتهم، ومع ذلك يبقى السوري يحلم بوطن حر بعيدا عن المظاهر العسكرية وآليات الحرب ومخيمات اللجوء.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد