بعد سنوات طويلة، استغلّ خلالها نظام أسد كل مناسبة ليدّعي نصرة القضية الفلسطينية، وضعت محافظة دمشق في الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو مخطّطًا تنظيميًا جديدًا يعيد هيكلة مخيم اليرموك، ويضرب بشعارات “المقاومة والممانعة” المزعومة عرض الحائط.
وحاصرت ميليشيا أسد المخيّم عام 2018 وحوّلته بدعم حليفها الروسي إلى ركام، قبل أن تعلن في أيار من العام نفسه سيطرتها عليه، بموجب اتفاقية سرّية تقضي بنقل عناصر “داعش” إلى بادية السويداء.
المخيّم المؤسّس منذ عام 1957 جنوبي دمشق والذي يتمتّع منذ عام 1964 بخصوصية إدارية بموجب قرار حكومي، يقسمه المخطّط التنظيمي رقم 105 إلى ثلاث وحدات عقارية، ويتعامل معه كحي دمشقي يتبع للمحافظة.
وأُقيم المخيّم على مساحة 900 هكتار استأجرتها “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب” لمدّة 99 عام دون أن يحظى برعاية دولية، فهو غير مسجّل لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مما يسهّل على أسد حرمان اللاجئين من بيوتهم، سيما وأن ملكية السكّان لما يُبنى فوق الأرض وليس للأرض نفسها.
ويضع نظام أسد عراقيل كثيرةً في طريق إثبات اللاجئين لملكيتهم، فالوثائق التي دُفن معظمها تحت ركام البيوت المقصوفة لن تغيّر المشهد، بالإضافة إلى ذريعة أن كثير من بيوت اللاجئين مبينة بشكلٍ مخالف ودون رخص بناء.فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر على أطرافها
ابراهيم العلي، مسؤول قسم الدراسات والتقارير الخاصة في “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” تحدّث لـ “أورينت نت” عن توجّهات نظام أسد للتعامل مع منطقة المخيّم بأسلوب مختلف. وشكّل المخيم أولوية لـ “أسد” في وقتٍ ما تزال فيه مدن بأسرها غارقة تحت ركام القصف.
وقال العلي: “إن النظام يتطلّع لإنشاء حزام أمني حول العاصمة بعدما تبيّن أن منطقة جنوب دمشق بما فيها مخيّم اليرموك، تشكّل نقطة ضعف أمنية بالنسبة لأسد، وهذا ما أعطى المخيّم أفضلية خاصّة”.
وتقوم فكرة المخطّط التنظيمي على إعادة بلورة جنوب العاصمة سكّانيًا وعمرانيًا بما يخدم الحاجات الأمنية لنظام أسد.
وأضاف العلي، أن نظام أسد بصدد اتباع استراتيجية جديدة، تتجلّى بتخفيض عدد اللاجئين الفلسطينيين داخل العاصمة على حساب أطرافها، مشدّدًا على ضرورة استثمار أي فرصة هدفها إيقاف هذا المخطّط، داعيًا أهالي اليرموك لتثبيت ملكيتهم لعقاراتهم.
كما دعا أيضًا للضغط على محافظة دمشق لتقديم الاعتراضات للحفاظ على هوية المخيّم الذي كان يضم حوالي 40% من فلسطينيي سوريا.مشروع اقتصادي لأغراض ديموغرافية
شرح أحمد (اسم مستعار لمهندس معماري عمل في شعبة المهندسين في ريف دمشق) لـ “أورينت نت” مكاسب نظام أسد من هذا المخطّط، قائلًا: “إن قرار التنظيم اقتصادي أولًا سيسعى النظام لاستغلاله في محاولة جذب مستثمرين ورجال أعمال لتمويل المشروع الواقع على جغرافية المخطّط التنظيمي الثاني لدمشق (باسيليا سيتي) الذي أقرّه أسد وفق المرسوم 66 لعام 2012″.
وأوضح أن ذلك يأتي بالإضافة إلى ما قد يشهده من تغيير ديموغرافي لنسف هوية المخيّم وتمييع طابعه السكّاني عبر زرع تجمّعات سكّانية إيرانية أو غيرها من التي تبايع أسد على غرار ما جرى سابقًا في أجزاء من منطقة المزّة” في إشارة إلى التجمّعات السكّانية التي أقامها أسد في حي المزة 86 .
ويضيف المهندس ذاته، أن أسد استغلَّ غياب السكّان الذين تفرّقوا بين النزوح والاعتقال والموت مؤكّدًا أن أهم نقطة عند طرح المخطّط التنظيمي بحسب أسس التخطيط العمراني هي موافقة الأهالي على المخطّط بعد طرحه عليهم لتقديم اعتراضاتهم، متسائلًا: “إذا كانت المنطقة مفرّغة من سكّانها فكيف ومن سيعترض؟”
وأشار إلى أن النظام حجز على أملاك وعقارات معارضيه بغير حق في مختلف المناطق السورية وبإمكانه تغييب هذه الملكيات حتّى لو اعترض أصحابها.
واستبعد الرجل، تنفيذ المخطّط في الوقت الراهن مشيرًا إلى مخطّطات تنظيمية أخرى وضعها نظام أسد قبل سنوات وما زالت حبراً على ورق، لافتاً إلى أن النظام يستخدم هذه القرارات لترميم صورته أمام المجتمع الدولي.
نقلا عن اورينت نت