قراءة في الصحف
تحدثت مجلة الـ “إيكونوميست” البريطانية في عددها الأخير عن فن التضليل الروسي، مشيرة إلى أنه عاد إلى أمجاده القديمة، التي كانت عليه في الحقبة السوفيتية.
وتقول المجلة إنه “كان ينظر إلى السياسة الروسية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي باعتبارها نشازا، تأثيرها على الغرب ليس محتوما، لكن بعد التصويت على “البريكسيت”، وانتخاب “دونالد ترامب”، فإنه يبدو أن العكس صحيح: فنموذج السياسة الذي يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأخذ طريقه نحو الغرب”.
وتضيف المجلة: “فمن البحر المتوسط إلى المحيط الهادئ ينظر إلى بوتين على أنه نموذج للقوميين والشعبويين والديكتاتوريين، حيث قال الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي: (بطلي المفضل هو بوتين)، ووصف ترامب بوتين بأنه (زعيم أكثر من رئيسنا بكثير)، وفي إيطاليا اصطف زعيم حركة النجوم الخمسة بيبي غريللو مع بوتين ضد الغرب، وفي الوقت ذاته تحمس رئيس رابطة الشمال المعادية للمهاجرين ماتيو سالفيني لروسيا بوتين، وكتب سالفيني في تغريدة على (تويتر) أثناء زيارة له إلى روسيا عام 2014: (لا مهاجرين غير شرعيين، ولا ماسحي نوافذ السيارات أو مخيمات للغجر في موسكو(“.
وتلفت المجلة إلى أن “آخر مرة أدت فيها روسيا دور المحفز للأفكار المعادية للمؤسسة كانت في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وذلك بعد الثورة البلشفية، وعندما كتب ستالين أن الاتحاد السوفيتي أصبح (المركز المفتوح للحركة الثورية العالمية).
وليس فقط في مجال الدعاية، وكتبت المؤرخة كاثرين كلارك في كتابها (موسكو، روما الرابعة)، قائلة إن موسكو تطلعت لأن تكون مركز الحضارة الجديد، ومدينة جذابة للمفكرين الغربيين، وزعمت أنها الوريثة الشرعية للفنانين العالميين العظماء، وكتب المخرج السوفييتي المشهور “سيرغي إزنشتاين” عام 1933قائلا: إن (موسكو باعتبارها فكرة هي مركز الكثافة لمستقبل الاشتراكية في العالم كله)”.
ويفيد التقرير بأنه “اليوم، بعد 25 عاما من انهيار الاتحاد السوفييتي، ينظر إلى روسيا مرة أخرى على أنها رمز، وهذه المرة للنظام الإمبريالي القومي، وكما في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، لم تمنعها العزلة من التدخل في الموجة الشعبوية العالمية المعادية للمؤسسة، فقد أثبت رهان الكرملين على الأحزاب اليمينية المتطرفة صحته، حيث دخلت هذه الأحزاب التيار الرئيس في السياسة، وقام الكرملين بضخ الدعاية والتضليل من خلال قنواته الإعلامية، مثل (روسيا اليوم) و(سبونتيك نيوز)، ومن خلال آلاف المواقع المدفوعة على الإنترنت، وعبر هجماته الإلكترونية ضد الدول الغربية، التي أنتجت ثروة من الوثائق والرسائل الإلكترونية، التي ألقيت إلى أيدي الإعلام الأجنبي، وشوشت على الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل نفع ترامب”.
وتنقل المجلة عن مدير المخابرات الداخلية الألمانية “بي دي أن” برونو كال، قوله: “أصبحت أوروبا مركز الهجمات الإلكترونية الروسية، خاصة ألمانيا، التي ستنظم انتخابات في خريف العام المقبل”، ويقول الجواسيس الفرنسيون إن الداعمين الروس قد يتدخلون في انتخاباتها أيضا.
وينوه التقرير إلى أن “هذه النشاطات تعيد إلى الذهن (التدابير الفعالة) في الفترة السوفيتية، التي كانت تهدف إلى التشويش على مصداقية الديمقراطيات الغربية والتأثير فيها، ففي ألمانيا الغربية، كما يقول الخبير في شؤون اليمين الأوروبي المتطرف “أنطون شيخفستوف”، إن (كي جي بي) لم تقم بدعم الأحزاب الشيوعية ولا المسلحة، لكنها دعمت جماعات اليمين المتطرف”.
وتجد المجلة أنه “على خلاف سنوات الثلاثينيات، فإن الكرملين وأصدقاءه لا تدفعهم الأيديولوجيا بقدر الانتهازية (وفي حالة روسيا فإن الدافع هو الفساد)، فما يهدف إليه بوتين ليس تقديم نموذج سياسي بديل، لكن هدفه تقويض الديمقراطيات الغربية التي يمثل نموذجها تهديدا وجوديا لحكمه في الداخل، ولأنه عاش مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي فهو واع تماما أن الجاذبية نحو الغرب المزدهر والقائم على القيم أسهم بهزيمة الشيوعية، ومن هنا فإن هزيمة الفكر الليبرالي الديمقراطي تمنح الدعائيين الروس الفرصة للنصر”.
وبحسب التقرير، فإن “بوتين كان حذرا في المصادقة على المعجبين به، سواء كانت لوبان أم ترامب أو الناشطين الراديكاليين، ويقدم الرئيس نفسه على أنه (القومي الأكبر في روسيا)، لكن القومية التي ينتصر إليها إمبريالية وليست قائمة على الجذور الاثنية، فهناك حوالي 20 مجموعة عرقية في روسيا، بشكل يجعل من أي تعبير للشوفينية الدينية أو العنصرية أمرا خطيرا.
ولاحظ الخبير في القومية الروسية ألكسندر فيرخفسكي، أنه في الوقت الذي يقوم فيه الكرملين بالتلاعب في المشاعر القومية المعادية للغرب، إلا أنه قام بالضغط على الجماعات المتطرفة في روسيا وبشدة، ففي آب/ أغسطس، حكمت محكمة روسية على زعيم الحركة المحظورة (الحركة المعادية للمهاجرين غير الشرعيين) ألكسندر بيلوف، بالسجن لسبعة أعوام ونصف، وكان شعار هذه الحركة هو (روسيا للروس)، وفي الشهر الماضي تم حجز مظاهرة لليمين، وقصر حركتها على نواحي موسكو، واعتقل عدد من المتظاهرين فيها”.
ويذهب التقرير إلى أنه “بحسب رأي بوتين، فإنه يجب توحيد الأمة حول الأحداث والرموز والأفكار التي يقدمها الكرملين، وشعر النظام بالخوف من التظاهرات، والعنف المتصاعد الذي نظمه الراديكاليون ومشجعو كرة القدم عام 2010، والتظاهرات الطويلة المعادية لبوتين في الفترة ما بين 2010 إلى 2012، التي وحدت بين الليبراليين والقوميين، وردا على هذا الأمر، قدم الكرملين قومية الدولة، التي عبرت عن نفسها من خلال ضم شبه جزيرة القرم والحرب في أوكرانيا، وبفعله هذا قام الكرملين بشق صف القوميين، الذين انضم عدد منهم لدعم القضية الإمبريالية بشكل أفقد الليبراليين المركز والمعنوية، وذهب بعض الراديكاليين للقتال في دونباس، وظهروا لاحقا في سوريا، ومنحت مغامرات روسيا في الخارج بوتين الفرصة لتهميش أي احتجاج قومي، مهما كان نوعه، وأبعده عن نخبته الفاسدة”.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول إنه: “في الوقت الذي يعترف فيه بوتين بالقوة التي تمثلها القومية الشعبوية في أمريكا وأوروبا، وقدرتها على تشويه الديمقراطية، فإنه يعرف أنها مادة خطيرة، وبعد هذا كله يمكن أن يكون فوز ترامب مثالا يلهم منافسيه، الذين يرون فيه رمزا للمؤسسة الفاسدة”.
الـمركز الـصحفي الـسوري _ صحـف