أثار الرئيس التركي رجب اردوغان ضجّة بتشكيكه ضمّ جزر في بحر إيجه إلى اليونان بموجب معاهدة لوزان في 1923، التي أتاحت ولادة الجمهورية التركية على أنقاض السلطنة العثمانية.
وتساءل اردوغان الخميس في أنقرة أمام نواب محليين “في لوزان، أعطينا جزراً قريبة إلى حدً أن صوتكم هنا يمكن سماعه هناك. هل هذا نصر؟”.
وأضاف أن هذه الجزر في بحر إيجه “كانت ملكنا. ولدينا مساجدنا هناك، ومقدساتنا”.
ووجد تشكيك اردوغان في معاهدة لوزان، التي تعترف بنظام مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، ردود فعل مختلفة بين أنصاره ومعارضيه.
ويرى مؤيدوه أن هذه التصريحات ليست سوى تذكير بأن تركيا الحالية ليست سوى جزء من أراض أوسع كانت في الماضي تشكّل السلطنة العثمانية، في حين رأى فيها معارضوه انحرافاً خطراً باتجاه فكر عثماني جديد.
وفي أوج توسّعها كانت السلطنة العثمانية تسيطر على أراض تمتد من أفريقيا إلى المشرق العربي إلى البلقان.
ومعاهدة لوزان، التي وقعت في 1923، كانت آخر اتفاق يبرم مع بلد هزم في الحرب العالمية الأولى. وهي ترسم الحدود الحالية لدول البحر الأبيض المتوسط حتى إيران بعد تفكك السلطنة العثمانية.
ورغم أن معاهدة لوزان تعدّ أفضل من معاهدة سيفر (1919)، التي جعلت أراضي تركيا تقتصر على نواحي اسطنبول وقسم من الأناضول، فإنها كرّست خسارة كامل جزر بحر إيجه، باستثناء غوسيدا (ايمروز) وبوزكادا (تينيدوس)، لمصلحة اليونان.
وقال رئيس وزراء اليونان الكسيس تسيبراس “إن التشكيك في معاهدة لوزان … أمر خطير على العلاقات بين بلدينا، وأيضاً بشكل أوسع على المنطقة”.
من جهته قال وزير الشؤون الأوروبية اليوناني نيكوس كسيداكيس، في تصريحات لـ “سكاي تي في” “إن التصريحات النارية لأردوغان” باتت أمراً معتاداً.
ورأى أنها قد تعود إلى أن اردوغان “يواجه ضغطاً داخلياً قوياً” بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو، والمشاكل مع جارتيه العراق وسوريا.
خيانة التاريخ
وفي الواقع فإن تصريحات الرئيس التركي تأتي معاكسة لما كان صرّح به في 24 تموز/يوليو، خلال الاحتفال بالذكرى 93 لمعاهدة لوزان، حين أشاد بـ “وثيقة مؤسسة للجمهورية” تم إبرامها بـ “نصر الشعب بفضل إيمانه وشجاعته وتضحيته”.
وفي غضون شهرين تغيرت اللهجة، وبلغ الأمر بأردوغان حداً قال معه إن “من جلسوا على طاولة (المفاوضات) لم يبرموا أفضل الاتفاقيات”.
وهو يستهدف بذلك عصمت اينونو أبرز مساعدي أتاتورك وخليفته في رئاسة الجمهورية، الذي يجلّه العلمانيون الأتراك الى اليوم.
وأضاف أردوغان بتأثر “واليوم نحن نعاني” آثار ذلك.
واعتبر ايكان اردمير، من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية، ومقرّها واشنطن، أن هذا “الانقلاب” في موقف الرئيس التركي يشير إلى تفتّت شعار الوحدة الوطنية التي أكد عليها اردوغان إثر الانقلاب الفاشل منتصف تموز/يوليو، خصوصاً مع المعسكر العلماني.
وقال لـ “فرانس برس″ “الآن وقد استعاد الرئيس التركي سيطرته التامة على البلاد باسرها، شعر أنه في وضع مريح يمكّنه من العودة إلى خطابه المعادي للجمهورية”.
وبلهجة أشد قال كمال كيليتشدار اوغلو، زعيم الاشتراكيين الديموقراطيين (الحزب الذي أسسه أتاتورك)، إن تصريحات اردوغان تعتبر خيانة للتاريخ. وقال مخاطباً الرئيس التركي “لا تنس أنك تجلس على هذا الكرسي بفضل لوزان”.
في المقابل اعتبر يوسف كبلان، كاتب افتتاحيات صحيفة “ييني شفق” المقربة من السلطات، أن معاهدة لوزان وقعت “صك وفاة” البلد.
من جهته اعتبر خيري اينونو، حفيد عصمت اينونو، ورئيس بلدية أحد أحياء اسطنبول، أن وجود “الجمهورية التركية” دليل بحدّ ذاته على أن معاهدة لوزان كانت نجاحاً، “وما عدا ذلك ليس سوى لغو”.
القدس العربي