يتمتع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدعم قوي واسع وسط القاعدة المسلمة المحافظة في بلده، لكنه أثار استياء في بعض الأحيان بسبب طريقة تعامله مع المعارضين، التي تتسم غالبا بالقوة.
وقد تعرض صحفيون في تركيا للتحقيق والمحاكمة، ورُحل صحفيون أجانب بعد التضييق عليهم.
وفي الشهر الماضي، داهمت الشرطة مقر صحيفة زمان، أكبر الصحف التركية.
وذكرت الصحيفة في إصدارها الأخير، قبل أن تسيطر عليها الحكومة، أن الصحافة التركية شهدت أحد “أسود أيامها”. ونُشر في عددها الأول بعد الرقابة الحكومية مقالات موالية للحكومة بشكل واضح.
ولم يقتصر نهج اردوغان هذا داخل تركيا، إذ اعتدى حراسه الشخصيون على صحفيين في الولايات المتحدة. كما يجري تحقيق مع مقدم برنامج ساخر ألماني في بلاده في اتهامات بالإساءة إلى الرئيس التركي عبر التلفزيون.
وكان أردوغان (61 سنة) قد صعد إلى السلطة عام 2002، أي بعد عام واحد من تشكيل حزب العدالة والتنمية.
وتولى رئاسة الوزراء لمدة 11 سنة، وبعدها فاز بانتخابات الرئاسة في أغسطس/ آب 2014 ليكون أول رئيس تركي منتخب بالاقتراع المباشر، وهو منصب يفترض أن يكون شرفيا وفقا للدستور التركي.
وفي 2015، تعرضت شعبية الحزب الحاكم في تركيا لهزة، وفشل في تشكيل ائتلاف حاكم.
لكن الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مكنت حزب العدالة والتنمية من البقاء في السلطة.
تحدي الجيش
في العقود التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، تدخل الجيش التركي في السياسة للحد من نفوذ الإسلاميين في البلاد.
وانتصر أردوغان على الجيش في 2013، عندما كان ضباط بارزون ضمن 17 شخصا سجنوا بعد إدانتهم بالتآمر للإطاحة بحزب العدالة والتنمية، فيما عُرف إعلاميا بقضية “إرغينكون”.
كما مثل مئات العسكريين أمام المحاكم مع صحفيين وسياسيين علمانيين في إطار هذا التحقيق وفي تحقيق آخر عرف باسم قضية “عملية المطرقة”.
واستقال قادة الجيش والقوات البحرية والجوية احتجاجا على اعتقال 200 عسكري في تحقيقات قضية “المطرقة” عام 2011.
واتهم معارضون اردوغان باستخدام القضاء لإسكات خصومه السياسيين، وذكرت مزاعم كثيرة حول وجود تهم ملفقة.
لكن مؤيدي اردوغان أثنوا على نجاحه في مواجهة رموز بالدولة لم يجرؤ أحد من قبل على الاقتراب منهم واعتبروا أنفسهم أوصياء على الدولة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك.
أطلق اردوغان لأجهزة الدولة العنان عام 2013 كي تخمد احتجاجات واسعة في اسطنبول وتركزت في حديقة غيزي.
وامتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى، وشارك فيها أتراك علمانيون تساورهم شكوك بشأن الميول الإسلامية لحزب العدالة والتنمية.
وضربت الحكومة فضيحة فساد في ديسمبر/ كانون الأول 2013، شملت القبض على أشخاص عدة بينهم أبناء ثلاثة وزراء.
وهاجم أردوغان من وصفهم “بمتآمرين” يقيمون خارج تركيا، منتقدا أنصار الداعية الإسلامي التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.
كما اتخذ إجراءات ضد وسائل التواصل الاجتماعي، متعهدا بـ”محو” موقع تويتر.
وتعرضت سمعته لضربة قوية في 2014 عندما تعامل ببرود مع أزمة منجم سوما بغرب تركيا، حيث قتل 301 شخصا.
في مناسبات عدة، نفى اردوغان اتهامات له بالسعي لفرض قيم إسلامية، مؤكدا أنه ملتزم بالعلمانية.
لكنه في نفس الوقت، شدد على الحق في التعبير عن المعتقدات الدينية بحرية أكبر.
وكانت لهذه الرسالة تأثير في المناطق الريفية والمدن الصغيرة في منطقة الأناضول، التي تعتبر معقلا لحزب العدالة والتنمية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، ألغي حظر ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة، باستثناء القضاء والجيش والشرطة، وذلك بعد عقود من حظره.
وترتدي أمينة، زوجة أردوغان، الحجاب في الزيارات والمهام الرسمية، كذلك ترتديه زوجة حليفه في حزب العدالة والتنمية عبد الله غول الذي تولى رئاسة تركيا قبله مباشرة.
وأشار معارضون إلى أنه فشل في سعيه لتجريم الدعارة، ومحاولته إقامة “مناطق خالية من المشروبات الكحولية” كدليل على نواياه الإسلامية المزعومة.
طموحات
يرى معارضو لاردوغان القصر الرئاسي الجديد رمزا لطموحاته السلطوية المزعومة.
فمقر الحكم الجديد يقع أعلى ربوة في ضواحي أنقرة، وهو ما يطلق عليه البعض “القصر الأبيض”. وتفوق مساحته البيت الأبيض أو مبنى الكرملين الروسي، وهو مكون من 1000 غرفة بُنيت بتكلفة تصل إلى 615 مليون دولار.
ويرجع نجاح اردوغان سياسيا على مدار السنوات الماضية واستمراره في السلطة إلى الاستقرار الاقتصادي الذي حققه في البلاد مع بلوغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.5 في المئة سنويا.
وتحولت تركيا إلى مركز صناعي ودولة مهمة في مجال الصادرات.
ونجحت حكومات العدالة والتنمية في السيطرة على معدل التضخم الذي ارتفع في التسعينيات بنسبة 100 في المئة.
لكن النمو الاقتصادي تراجع إلى 2.9 في المئة في 2014 مع تجاوز معدل البطالة إلى 10 في المئة.
وعلى صعيد السياسة الدولية، وجه اردوغان انتقادات حادة لإسرائيل، التي كانت من أقوى حلفاء تركيا، لممارساتها ضد الفلسطينيين. ولا تتوافق انتقاداته لإسرائيل مع قاعدته الإسلامية فقط، بل حققت له شعبية كبيرة في الشرق الأوسط.
كما دعم المعارضة السورية في حربها ضد الرئيس بشار الأسد.
لكنه رفضه مساعدة الأكراد السوريين في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وُلد أردوغان عام 1954 لأب يعمل جنديا بخفر السواحل التركية على ضفاف البحر الأسود.
وعند بلوغة الثالثة عشرة من عمره، قرر والده الانتقال إلى اسطنبول ليضمن لأولاده الخمسة مستوى أفضل من المعيشة والتربية.
كان الصبي رجب طيب أردوغان يبيع عصير الليمون وفطائر السمسم في شوارع أسطنبول لكسب دخل إضافي.
ودرس الصبي في مدرسة إسلامية قبل حصوله على شهادة في علوم الإدارة من جامعة مرمرة في أسطنبول.
ولم يمنعه العمل أو الدراسة عن لعب كرة القدم في أحد أندية الدوري التركي.
وأثناء دراسته في الجامعة، تعرف على نجم الدين أربكان، أول رئيس وزراء إسلامي لتركيا.
وتولى منصب رئيس بلدية أسطنبول عام 1994.
وأثناء توليه المنصب، حقق نجاحا إداريا ملحوظا اعترف به الجميع حتى معارضوه بعد أن حول المدينة إلى مكان أكثر نظافة.
وقضى أربعة أشهر خلف القضبان عام 1999 بعد اتهامه بالتحريض على أساس ديني.
وكان قد تلا علنا إحدى القصائد التي جاء فيها: “المسجد معسكرنا، وقبابه خوذاتنا، والمآذن رماحنا، والمؤمنون هم جنودنا”.
وأسس أردوغان وبعض رفاقه حزب العدالة والتنمية عام 2001 بعيدا عن حزب الفضيلة الذي حظرته السلطات آنذاك.
BBC