“إن اختلاف تحديد بدايات الشهور القمرية في البلدان الإسلامية المختلفة، التي تكون واضحة في شهر رمضان الكريم، ليس وراءها خلافات في الرؤى أو الاستنتاجات الفلكية، وإنما تنشأ بناء على وجود مدارس فقهية غير متطابقة الرؤى في البلدان الإسلامية المختلفة، بين توجهين أحدهما يعطي وزناً كبيراً لفكرة الرؤية المجردة، وآخر للحسابات الفلكية”.
هذا ما توصل إليه الباحث, رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك عضو الاتحاد العربي للفضاء، المهندس “عصام جودة”, في معرض حديثه لصحيفة “الإمارات اليوم” عن الخلافات والتباينات بين الدول الإسلامية في تحديد تاريخ بدء اليوم الأول من شهر رمضان, والذي أخذ في بعض الأحيان شكلاً من أشكال التبعية السياسية بعيداً عن كونه فريضة أساسية من فرائض الإسلام.
الشهر القمري:
وقال جودة في حوار لـ”الإمارات اليوم” بالقاهرة، إن الشهر القمري هو دورة كاملة للهلال حول الشمس، تأخذ 30 يوماً أو 29 يوماً، (بدقة 29 يوماً ونصف اليوم)، وأننا نرى أوجهاً مختلفة له حيث يبدأ صغيراً، ثم يكبر تدريجياً فيصل إلى مرحلة التربيع، ثم مرحلة الاحدداب، ويتطور إلى مرحلة البدر، ليبدأ بعدها في التناقص والوصول إلى مرحلة التربيع الأخير.
وتابع جودة أن “بداية الشهر القمري تحدد عبر متابعة ظهور القمر بعد غروب الشمس، بدءاً من عبور القمر الخط الافتراضي بين مركزي الشمس والأرض، حيث يجسد هذا العبور بداية شهر جديد، وأنه بمجرد ابتعاد القمر عن الشمس يتضح أن هذا هلال ويظهر جهة الغرب”.
وأوضح جودة شروط المكان الذي يجب أن يستطلع منه الهلال، وقال ” إنه يجب أن يكون في الأفق الغربي، ومفتوحاً تماماً، وأن يكون مرتفعاً ولا تحده عوائق، ولا يوجد فيه تلوث ضوئي، أو بصري، أو أتربة، كما أن استطلاع الرؤية يجب أن يراوح بين 20 و40 دقيقة”.
نقاط الرصد:
وإذا ظهر الهلال في المكان، يكون اليوم التالي بداية الشهر القمري، وإذا لم يظهر أصبح اليوم ذاته هو المتمم للشهر الجاري.
ورداً على سؤال عن الفارق بين التقويمين الشمسي والقمري، وما إذا كان الأخير حكراً على الدول العربية والإسلامية، قال جودة “إن نشأة التقويمين الشمسي والقمري بدأت حين ربط الأسلاف بين إيقاع حياتهم توازياً مع حركة الأجرام السماوية، وقد تعاملت معظم شعوب العالم مع التقويمين، وكان الفارق بينهما ان التقويم الشمسي، وهو دورة كاملة للأرض حول الشمس، تكتمل عبر 365 يوماً وربع اليوم، بينما التقويم القمري تكتمل دورته عبر 354 يوماً، بفارق 11 يوماً، فتتقدم كل عام السنة القمرية على الشمسية، وقد صنعت الحضارات المختلفة” معالجات مختلفة لهذا الفارق بين التقويمين الشمسي والقمري، فحولها الفراعنة لأيام دينية حسب اعتقاداتهم، وأضافها اليهود شهراً كاملاً للسنة القمرية كل 32 شهراً.
التقويم الشمسي:
وقد ساد التقويم الشمسي أكثر لارتباطه بالفصول، وبإيقاع حياة الأسلاف وأنشطتهم في الرعي والصيد، التي ارتبطت بالمناخ كمواسم المطر مثلاً، وبحركتهم، فتم الاعتماد عليه، واستقر على اعتباره منظماً إدارياً في الحضارات المختلفة، بينما واصل التقويم القمري وجوده كمنظم للشعائر الدينية فقط. وهنا تنبغي الإشارة مجدداً إلى أن التقويم القمري لم يكن كما كان يتصور البعض حكراً على المسلمين، وإنما تعامل به أيضاً الفراعنة والمسيحيون واليهود والصينيون، وان كان بصيغ مختلفة. وبينما تم تحديد (إدارياً) بداية يوم التقويم الميلادي الساعة 12 صباحاً، تم التوافق إسلامياً على أن تكون بداية اليوم القمري بعد الغروب، ويؤكد ذلك أننا في رمضان إذا ثبتت الرؤية أن غداً سنصوم، فإننا نشرع فوراً في صلاة التراويح، كما أننا لا نصلي التراويح إذا ثبتت رؤية بداية شوال، في يوم أدينا فيه فريضة الصيام.
محددات دينية
وحول رؤية الهلال ومصدر الاختلاف فيه، قال عصام جودة “ان القمر يدور حول الأرض فيحدث في هذا الدوران، أن يصبح مرة كل شهر – أو كل 29 يوماً ونصف اليوم – بين الشمس والأرض، فيما يسميه الفلكيون بالمحاق، وفي لحظة محددة يصبح فيها القمر فلكياً أو علمياً في الخط الوهمي الافتراضي بين الشمس والأرض، لحظتها نعتبر هذا بداية الشهر، فلو أخذنا بالمرجعية الفلكية فقط قبل أن نعود للمرجعية الدينية لكل ديانة، فإننا سنعتبر هذا إدارياً هو بداية الشهر الجديد. لكن المحددات الدينية هي الحاسمة، وأول محدد ديني كما أشرنا هو متى يبدأ اليوم دينياً، وكما اتفقنا يبدأ بعد الغروب، فالليلة قبل اليوم، وهذا محدد لم يشهد خلافاً على الساحة الإسلامية. أما المحدد الثاني، الذي شهد خلافاً هو رؤية الهلال، ففي بدء عبور القمر، لا يكون الخط الفاصل بين الشمس والأرض واضحاً، ويكون وجهه بالكامل تقريباً مظلماً، ولابد أن يبعد عن الشمس مسافة تقدر بخمس درجات قوسية على الأقل حتى يمكن رؤيته كهلال”.
أما المحدد التالي والفرعي الذي انبثق عنه، فهو انه لابد أن يغرب بعد غروب الشمس، أي بعد نزولها، حتى لو عبر الخط الفاصل بين الأرض والشمس، لأن هناك حالات يعبر فيها الخط الفاصل لكنه يغرب قبل رحيل الشمس. وهنا نشأ خلاف فقهي، وليس فلكياً، بمعنى لو غرب بعد غروب الشمس بمسافة قليلة جداً لا تجعله يرى بالعين المجردة، رغم التأكد فلكياً وعلمياً من عبوره، فهل يمكننا اعتباره بداية شهر قمري؟ هنا انقسم الفقهاء إلى فريقين، أحدهما اشترط الرؤية البصرية، وفريق آخر اكتفى بالعلم بوجوده، ولا نستطيع أن نرجح رأياً على آخر، ولكل دار إفتاء في كل دولة، منطقها في الرأي الذي ترتضيه وتطمئن إليه.
قضايا ساخنة- مجلة الحدث – حازم الحلبي.