خرج أحرار سوريا في ثورة الكرامة وكان مطلبهم وهدفهم الأساسي في البداية محاربة الفساد، وحرية التعبير وإطلاق الفكر دون تقييد، لكن سرعان ما أصبح هدفهم إسقاط النظام بعد أن فقدوا الأمل من الإصلاحات والوعود المتكررة التي بقيت حبرا على ورق لإسكات صوت الحق وإخماد انتفاضة الشعب الثائر.
ومع ذلك فإن الفساد عشش واستشرى أكثر، وبالأخص في دوائر الدولة الحكومية، نظرا لانعدام الرقابة وانشغال الحكومة بمحاربة الإرهابيين وملاحقتهم حسب زعمها، والنتيجة كالعادة خسائر النظام المتكررة لمعظم المناطق التي يخوض فيها اشتباكات، فقد خسر أكثر من70% من مساحة سوريا.
فقد كشف تقرير صدر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التابعة للنظام مؤخرا، عن اختلاسات في مديرية مالية ريف دمشق تقدر بحوالي 23 مليون ليرة، وطالبت الهيئة في تقريرها باسترداد المبلغ من المتورطين، وفرض عقوبات على رؤساء الأقسام في المديرية ومن بينهم رئيس دائرة الجباية بشعبة داريا، إلا أن العقوبات لم تطبق، ولم تدخل حيز التنفيذ، وجميع المتهمين بالاختلاس ما زالوا يواصلون عملهم في المديرية، حسب ما أفاد موقع الحل السوري.
ووصف وزير المالية إسماعيل إسماعيل هذا التقرير بأنه غير منطقي، ولا يستند على معايير مهنية أو موضوعية، ورغم ذلك فإن الوزارة تتعامل مع تقارير الرقابة بموضوعية بغية محاربة الفساد الإداري والاقتصادي في أسرع وقت ممكن.
قضايا الاختلاس والسرقات ليست وليدة الحرب بل هي متجذرة مع تاريخ النظام البعثي الفاسد منذ سيطرته على مفاصل الدولة، لكنها تفاقمت أكثر في ظل انعدام الرقابة، ولعل ذلك ما يفسر إصدار الجهاز المركزي للرقابة والتفتيش تقارير مماثلة، لتبرهن أن برنامج محاربة الفساد مازال مستمرا، وأن الحكومة حريصة على ضمان أموال الشعب ومعاقبة من يحاول المساس بها أو التعدي عليها، ليكون في النهاية عبارة عن مباهاة إعلامية لا تفيد المواطن بشيء.
يقول عمر مهندس مدني من مدينة داريا ويقيم في دمشق :” الشعب صار يعرف ألاعيبهن، هنّو كل سنة بقدموا هيك تقرير ليبرروا سرقاتن ويقدموا حجج للموظفين المعترين بدوائر الدولة عن سبب تأخر صرف الرواتب، يعني مسرحية قديمة وما عاد إلها لزوم، الشعب تعب وما عاد عندو ثقة بأي قرار من الحكومة، لأن أبسط حقوقه ما عم تقدر تأمنها بس شاطرين بالحكي”.
” مهزلة” كلمة عبرت بها غدير عن ذلك التقرير، واصفة الوضع أن من اختلس وسرق سيتوب إلى الله ويعيد ما أخذه حسب ما طالبت الهيئة، وتتساءل بحيرة من أمرها :” أين هم أولئك المتورطون، ومتى ستتم محاسبتهم، وهل يعقل أن تتكرر تلك الحوادث رغم ادعاءات الحكومة بمعاقبتهم، وملاحقة القضية للوصول للمتهمين، أم أن حاميها حراميها؟!”.
رغم تعمّد حكومة النظام قصف المدن الخارجة عن سيطرتها، واستهداف طيرانها لمعظم المنشآت الخدمية والمصانع ودمارها للبنى التحتية، ما زالت تواصل سياسة المراوغة والادعاءات الباطلة التي لا تمت للواقع بصلة، فالشعب لا يريد منها أن تكشف الاختلاسات أو تعاقب المتورطين، بل جل همه أن يعيش بوطنه داخل بيته بسلام، وهو أمر تعمل جاهدة على حرمانه منه.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد