المركز الصحفي السوري – د. محمد مرعي مرعي
بعد أن استولى حافظ الأسد على السلطة في سوريا وفق منطق الغابة منقلبا على زملائه الذين قتلهم أو سجنهم حتى الموت ، أرسى سلطة أشبه بإدارة الغابة كونه أضحى الحيوان الأقوى والمسيطر على كل شيء والآمر الناهي فيها ، ووزّع أدوار بقية الحيوانات الأخرى كما وصف تلك الحالة الفيلسوف الهندي (بيدبا ) والأديب ابن المقفع ، بين : ضباع مفترسة كالمسؤولين في إدارت الجيش والأمن وحزب البعث والقطاعات المدنية ، وثعابين واعظة مثل رجال الدين والإعلام ، وذئاب للصيد والقتل وتمزيق الطرائد والضحايا كرجال الأعمال والاقتصاد ، وبغال لنقل الغنائم وإيداعها في خزائن الحيوان الأكبر كرجال الجمارك والتهريب والمال ، وكلاب وأبناء آوى أقل أهمية تحرس أسوار الغابة والعواء حين الاقتراب منها مقابل فتات من العظام كعناصر الحرس الجمهوري وفروع الأمن والوحدات العسكرية العائلية وبعض الوظائف المدنية ويعرف كل من اطلع على علم نفس التطور الانساني أن نزعات التحول نحو الأنسنة والتمدن تزداد كلما ساهم من يحكم البشر برفع مستوى وعيهم الانساني ، وبالمقابل تتعزّز الغرائز الحيوانية لديهم عندما يحوّلهم الحاكم إلى حراس لغابته وصائدي طرائد للتلذّذ بلحومها ودمائها، مقابل إطعامهم بقايا ما يزيد عنه من لحوم وعظام ودماء الضحايا ، وكي تتكرّس في نفوسهم الغرائز البهائمية والوحشية تجاه كل شيء آخر سواء أكان إنسانا أو حيوانا أو جمادا . ما فعله حافظ الأسد ومن بعده وريثه بشار بغابتهما وفق منظورهما في الحكم ، أنهما غذّيا بإفراط حيونة الذين اصطفوا حول عرينهما المتوحش ، وأباحا لحيواناتهم تناول لحوم ودماء كل ما يستطيعون اقتناصه من الغابة ، وبذلك تحوّلت تلك الحيوانات إلى عبيد لملك الغابة يسبحون بحمده لفضائله عليهم وتخلّوا عن إنسانيتهم وقيمها وضميرها ، ووصلوا إلى حد القناعة التامة بأن وجودهم مرتبط به في الغابة التي تجمعهم معا ، وأدّوا أدوار الدفاع المستميت عنه ، وكان أشنع أدوار ما قامت به حيوانات الوعظ والإرشاد كرجال الدين لفرض الخنوع والطاعة تجاه أكبر وحوش الغابة. أما حيوانات حراسة أسوار الغابة فاستمروا في حالة العيش التعيس حيث تعطيها الحيوانات الأكبر مرتبة عظام الغنائم ودمائها المتبقية مقابل استمرارها في الذود عن الغابة وحمايتها ودوام التعبير عن الطبيعة الحيوانية في سلوكياتها وأفعالها كي لا ترتفع إلى مستوى البشر اطلاقا وتبقى كل حياتها تبحث عن الطعام والشراب وممارسة الجنس .
بعد اندلاع ثورة الشعب السوري، عاش الوريث بشار حالة الصدمة ، وأدرك أنه لم يعد يحكم الغابة التي بناها أباه ، فانطلقت غرائزه الحيوانية لينتقم من كل من في الغابة وفق منظور سلطته في سوريا بأنها غابة موروثة،متناسيا أن سوريا بلد الحضارة والتاريخ والشعب الثائر الذي يريد تحويل الغابة إلى دولة ، وهكذا بدأت نزعات الوحشية الافتراسية تظهر في سلوكه وأفعاله وكافة حيوانات الغابة التي دجّنها لحماية عرينه والذين افترسوا كل شيء أمامهم وفق حكم سلطة الغابة. لكن الحرائق انتشرت في كافة أرجاء الغابة تحت ضربات شعبها الثائر لإنهاء سلطة الحكم الحيواني لسوريا،ولتحويلها إلى وطن ودولة وقوانين ، وبدأت الحيوانات تفر من الغابة ، بعضها قتل وبعضها جرح،وتضيق دائرة الوحشية في الغابة نحو القضاء على الحيوان المفترس الأكبر.