بدأ النفط يتدفق براً من مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” شمال شرقي سوريا نحو مناطق النظام في حلب ومنها إلى مصفاتي حمص وبانياس، وهذه المرة الأولى التي ينقل فيها النفط بين “قسد” والنظام بشكل علني وبرعاية روسية بعد أن افتتح الطريق الدولي السريع الحسكة-حلب (m4) أواخر أيار/مايو الماضي بحماية الشرطة العسكرية الروسية وبموجب تفاهم أمني مع الجيش التركي في منطقة “نبع السلام” شرقي الفرات.
ونجحت المساعي الروسية بداية حزيران/يونيو الحالي في إعادة تشغيل طريق آخر يربط مناطق الشرق السوري بباقي مناطق سيطرة النظام في الداخل، وهو طريق دير الزور-الرقة-حلب الممتد على طول الضفة الجنوبية لنهر الفرات حتى مسكنة بوابة الدخول إلى مناطق حلب الجنوبية الشرقية، وأصبح بإمكان الأهالي على ضفة الفرات الشمالية الخاضعة لسيطرة “قسد” الوصول إلى الطريق جنوباً عبر معابر تشرف عليها القوات الروسية، أهمها (معبر البو عاصي/شعيب الذكر) قرب الطبقة، وفي المرحلة الأولى يسمح بعبور الطلاب والحالات المرضية ومن المفترض أن يتمكن عامة الناس من المرور خلال الفترة القادمة.
تبدو المساعي الروسية التي تهدف إلى تشغيل الطرق الاستراتيجية التي تربط مناطق الثروة الواقعة تحت سيطرة “قسد” بباقي مناطق النظام (الربط الاقتصادي على الأقل) خطوة بالغة الأهمية بالنسبة للنظام قبيل تطبيق قانون “قيصر”، واجهت الشرطة الروسية وما تزال، الكثير من العراقيل التي عطلت مساعيها لفتح الطرق، أهمها، انتشار الميليشيات الإيرانية على الطرق، وإنشاؤها عدداً كبيراً من الحواجز في ريف الرقة الجنوبي وبريف دير الزور، وتحكمها بمداخل المدن الكبيرة كحلب وهي ممر إجباري لحركة النقل التجاري (القوافل) المتجهة نحو الوسط والساحل السوري.
بدا التنافس بين الميليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” من جهة، والميليشيات الروسية والمخابرات الجوية من جهة ثانية، أكثر وضوحاً في مناطق التماس مع المعارضة بريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، ويمتد التنافس بين الطرفين بطبيعة الحال إلى مناطق حدودية (اللبنانية والعراقية والأردنية)، وباقي مناطق التماس مع “قسد” والتي من المفترض أن تشكل متنفساً اقتصادياً مهماً للنظام في ظل قانون العقوبات، وموردا ماليا مهما بالنسبة للميليشيات التي ستسيطر وتتحكم في معابر التهريب وتحتكر فيما بعد السلع وتسوقها لو أرادت زيادة أرباحها واستغلالها للأزمة المفترضة التي ستخلقها العقوبات على النظام.
الطرق الاستراتيجية
تمكنت القوات الروسية منذ بداية حزيران/يونيو من إزالة العدد الأكبر من الحواجز والنقاط العسكرية التابعة للميليشيات الإيرانية و”الفرقة الرابعة” التي تنتشر على طريق دير الزور-الرقة-حلب، النجاح المفترض للقوات الروسية في كف يد الميليشيات الإيرانية عن الطريق جرى في المناطق المفتوحة جنوبي الفرات لكنها فشلت في مواطن أخرى من الطريق والذي يقطع مناطق النفوذ الإيراني الأهم في الريف الحلبي (الجنوبي والشرقي).
تسلك قوافل صهاريج النفط القادمة من شمال شرقي الحسكة الطريق السريع ( m4 ) المتجه نحو حلب، القسم الأكبر من الطريق يخلو من وجود الميليشيات الإيرانية، وهو يقع ضمن مناطق سيطرة “قسد” ولفصائل المعارضة السورية إشراف جزئي على الطريق، وفي كيلو مترات معدودة في ريف رأس العين الجنوبي، وفي المنطقة الواقعة بين مدينة منبج والعريمة شرقاً يتغير مسار حركة النقل، لأن الطريق (m4) سيعبر من مناطق المعارضة في ريف الباب، وتضطر الشاحنات والصهاريج إلى سلوك الطريق الفرعي المتجه نحو معبر التايهة جنوب شرقي منبج بين النظام و”قسد”، وتتابع الشاحنات مسيرها نحو دير حافر جنوباً لتسلك طريق الرقة-حلب التي ستدخلها مروراً من منطقة المطار شرقي المدينة، وهذه المنطقة تعتبر منطقة نفوذ مهمة للميليشيات الإيرانية وصولاً إلى خط التماس والمعبر الواصل مع “قسد” في ريف منبج.
تداولت مواقع إعلامية موالية للنظام، الإثنين، معلومات تتحدث عن انسحاب “الفرقة الرابعة” المدعومة من إيران، من منطقة معبر التايهة في ريف منبج بعد أن شهد توقفاً متكرراً عن العمل خلال الأيام الماضية بسبب الضرائب والإتاوات المرتفعة التي فرضتها “الرابعة” على حركة العبور، المعلومات المتداولة ما تزال غير مؤكدة، وفي الغالب لن يكون تخلي “الفرقة الرابعة” عن مواردها ومواقعها الحيوية بهذه السهولة.
المعابر وممرات التهريب
يمتد انتشار “الفرقة الرابعة” إلى الريف الحلبي شمالاً في المنطقة المحيطة بمدرسة المشاة وخطوط التماس مع المعارضة في ريف الباب شمال شرقي حلب، وكذلك نحو خطوط التماس مع “قسد” في منطقة تل رفعت والقرى في ريفها، وتبدو السيطرة بين “قسد” و”الرابعة” متداخلة ومشتركة في بعض القرى في ريف حلب الشمالي في المنطقة القريبة من خطوط التماس مع المعارضة في مارع واعزاز.
وعلى طول الجبهات مع المعارضة في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي تهيمن “الفرقة الرابعة” و”ميليشيا نبل والزهراء” و”فيلق المدافعين عن حلب” على عدد كبير من المعابر وممرات التهريب المنتشرة بكثرة في خط التماس الممتد من عفرين وحتى مناطق ريف الباب الشرقي، وأهم المعابر الرسمية التي تسيطر عليها ” الفرقة الرابعة” وميليشيات إيرانية، معابر (أبو الزندين وأم جلود وعون الدادات)، وهذه المعابر أعلنت “الحكومة المؤقتة” عن إغلاقها قبل شهرين تقريباً ولكن الفصائل استمرت بالعمل فيها، وشهدت منذ بداية حزيران/يونيو حركة عبور غير مسبوقة للبضائع التجارية والسلع المتنوعة، والتي كانت في معظمها نحو مناطق النظام و”قسد”، وبدا أنها مبررة قبيل دخول قانون العقوبات حيز التنفيذ والذي بات وشيكاً للغاية.
لا يقتصر تحكم “الفرقة الرابعة” والميليشيات الإيرانية عموماً بممرات التهريب والمعابر مع المعارضة، بل يتعداه للاستثمار في خط التماس مع “قسد” برغم العلاقة الوثيقة والتنسيق الأمني والعسكري الذي يربطهما في الريف الحلبي، والمستهدف بطبيعة الحال، النازحين والأهالي المقيمين في مناطق سيطرة “قسد” في ريف حلب الشمالي (منطقة تل رفعت وأكثر من 40 قرية وبلدة)، هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنطقة، ومن أراد من الأهالي الوصول إلى مدينة حلب عليه أن يدفع مبالغ مالية ضخمة لعناصر الميليشيات على الحواجز المنتشرة على الطرق، ويشمل ذلك أيضا فرض الضرائب والإتاوات على المحاصيل الزراعية التي يرغب الأهالي بتسويقها في سوق الهال أو أسواق مدينة حلب.
يبدو الشمال الحلبي في المنطقة المحيطة ببلدتي نبل والزهراء منطقة نفوذ مهمة للميليشيات الإيرانية لا يمكن للقوات الروسية وميليشيات النظام المدعومة من روسيا منافستها فيها، وبرغم وجود مجموعات تتبع لـ”الفرقة 25 مهام خاصة” (قوات النمر سابقاً) ومجموعات من “الحرس الجمهوري” المدعومة من روسيا في المنطقة إلا أنها غير قادرة فعلياً على منافسة الميليشيات الإيرانية صاحبة النفوذ والانتشار الأوسع، كما أن للهيمنة في المنطقة بعداً إيديولوجياً بالنسبة لميليشيات إيران، فالشمال الحلبي “أرض الملاحم” كما تسميها، دفعت فيها فاتورة كبيرة في المعارك مع المعارضة على مدى أعوام، وآخر توسع لها شمالاً جرى في الربع الأول من العام 2020، والذي تمكنت خلاله من السيطرة على حريتان وعندان وحيان وكفر حمرة وأكثر من 10 قرى قريبة من بلدتي نبل والزهراء، وبالتالي فإن مسألة تحكم “الفرقة الرابعة” وميليشيات إيران في معابر وممرات التهريب مع المعارضة قد تستمر لمدة أطول من المتوقع.
عقدة الطريقين (m4 وm5)
يلتقي الطريق m4 القادم من شمال شرقي سوريا مع الطريق m5 في حلب، وينفصل الطريقان مجدداً عند عقدة سراقب في ريف إدلب الشرقي، والتي باتت من أهم مناطق انتشار الميليشيات الإيرانية في الريف الإدلبي بعد أن نسب إليها الفضل في استعادتها من قبضة المعارضة أواخر شباط/فبراير 2020. وباعتراف ميليشيات النظام الروسية، كان للميليشيات الإيرانية من “قوات الرضوان” التابعة لحزب الله اللبناني و”المدافعين عن حلب” و”لواء الباقر” و”ميليشيا نبل والزهراء” و”فاطميون” الدور البارز في منع انهيار دفاعات النظام في سراقب على الطريق (m5) بعد أن دخلت الطائرات المسيرة التركية حينها على خط العمليات الهجومية للفصائل. وبذلك أصبح نفوذ الميليشيات الإيرانية مبرراً، أو بالأحرى نفوذاً مستحقاً.
تنتشر حواجز ومقار “قوات الرضوان” بشكل علني في سراقب ومحيطها القريب وفي المنطقة التي ينفصل فيها الطريقان (m5 و m4) عن بعضهما، ولباقي التشكيلات المدعومة من إيران وجود مكثف يمتد إلى الجنوب على جانبي الطريق وصولاً إلى منطقة معرة النعمان، وفي جبهات شرقي إدلب وصولاً إلى منطقة جبل الزاوية، تبدو عقدة سراقب مهمة بالنسبة لروسيا التي تسعى إلى تشغيل كامل الطريق (m4) وصولاً إلى الساحل والموانئ البحرية مروراً بإدلب التي وصلت فيها الدوريات المشتركة الروسية-التركية إلى مرحلة متقدمة، ونجاح الدوريات مقدمة للافتتاح المفترض للطريق.
من المبكر القول بأن التنافس بين الجانبين قد بدأ بالفعل في عقدة سراقب، وعلى الطريقين الدوليين في منطقة إدلب، ما تزال لروسيا مصلحة في وجود الميليشيات الإيرانية وانتشارها المكثف في إدلب لاستخدامها ربما في جولة جديدة من المعارك ضد المعارضة السورية، وفي حال انتهت المعارك فعلياً، ووصلت التفاهمات الروسية-التركية حول إدلب إلى مراحلها الأخيرة قد نشهد تصاعداً للتنافس بين الجانبين، ومساعٍ روسية أكثر جدية لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن مناطق حيوية تعبر من خلالها أهم الطرق البرية في سوريا والتي تربط مناطق الثروة في الشرق والشمال السوري بالوسط والجنوب ومنطقة الساحل.
نقلا عن تلفزيون سوريا