صحيفة الحياة
لم تمض سوى ساعات على قرار الحكومة السورية رفع سعر المازوت ضمن سياسة «عقلنة الدعم»، حتى انعكست سلبياً على مختلف نواحي الحياة، وارتفعت الأسعار وشهدت العاصمة دمشق إضراباً لوسائط النقل الخاصة بسبب ارتفاع السعر وغياب المادة.
وكانت الحكومة السورية أصدرت السبت وهو يوم عطلة رسمي، قراراً برفع سعر المازوت للقطاعين العام والخاص من 80 ليرة سورية إلى 125 ليرة (الدولار يساوي أكثر من ٢١٠ ليرات)، ورفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 1100 إلى 1500 ليرة، وربطة الخبز من 25 إلى 35 ليرة .
وترافق القرار بإصدار الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً قضى بمنح العاملين المدنيين والعسكريين الذين أحيلوا إلى التقاعد والمتعاقدين بعقود سنوية، تعويضاً قدره 4 آلاف ليرة، تضاف إلى الرواتب تحت مسمى «تعويض معيشي».
وفسر المراقبون خطــوة الأســـد بعد الزيــادة الكبيرة التي فرضتها الحكومة على أسعار المازوت والخبز والغاز، بأنها «محاولة لسحب الاحتقان الذي عم الشارع السوري المؤيد والمعارض في ظل موجة الغلاء التي تشهدها البلاد».
وقدرت زيادة الأسعار بنحو 14 ضعفاً عما كانت عليه قبل الأزمة مع تراجع القوة الشرائية لليرة السورية حيث وصل سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية نحو 210 ليرة فيما كان لا يزيد على 45 ليرة عام 2011.
وأثار القرار سخط السوريين وشنت الصحف ووسائل الإعلام المحلية حملة عليه حيث جاء في وقت يعاني فيه السوريون أصلاً من غلاء المعيشة مع تزامن موجة برد قارس في ظل غياب أبسط الحاجات المعيشية مثل الكهرباء ومواد التدفئة.
وبرر وزير النفط والثروة المعدنية سليمان العباس قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية بأنه «يضع حداً لنزيف الاقتصاد الوطني، ويجب أن يكون كذلك طالما لم تستفد من دعم المحروقات الذي تقدمه الدولة سوى فئة قليلة من المواطنين». وأشار إلى «أن المواطن كان أقل المستفيدين من الدعم والدولة أكبر الخاسرين، والمهربون وتجار الحروب والأزمات ومستغليها بلا رحمة ومن دون أي وازع ديني أو أخلاقي أو أي مانع من بيع المادة بأضعاف أضعاف سعرها الحقيقي… هم المستفيدون من الدعم والنادبين والنائحين على الدعم».
ويتساءل مواطنون عما إذا كانت الحكومة ستعمل بالسعر العالمي للمشتقات النفطية بحيث ترتفع بارتفاعها وتنخفض بانخفاضها وما إذا كان بمقدورها تأمينه للجميع بالسعر الموحد حيث وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء بين 300 و400 ليرة سورية.
وقدر اقتصاديون محليون خسارة الأسر من رفع أسعار المازوت للمرة الثانية خلال ستة أشهر بنحو 30 في المئة من قوتها الشرائية (تتراوح نسبة الأجور بين 100 و200 دولار بحسب نظام الفئات). وقال أحدهم أن الرفع الأخير للمازوت سيكون أشد تأثيراً على ذوي الدخل المحدود والفقراء والضعفاء.
وانعكس قرار رفع سعر ليتر المازوت في الشارع السوري من خلال الازدحام الذي تشهده مواقف الباصات (حافلات) والأرصفة نتيجة إضراب أغلب أصحاب وسائط النقل عن العمل احتجاجاً على التسعيرة خصوصاً أنهم يعملون يوم ويعطلون يوم للاصطفاف في محطات الوقود للحصول على مادة البنزين أو المازوت نتيجة النقص الكبير الحاصل في هاتين المادتين».
لكن، بدأ السوريون على رغم قساوة وضعهم المعيشي والأمني بالتهكم على هذه القرارات عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيث وضع أحدهم صورة لحشود من السوريين تحت «جسر الرئيس» وسط دمشق، في انتظار حافلة تقلهم وكتب تحتها: «خرجكم الله لا يرحمكن مو بدكن رفع أسعار. هي ارتفعت الأسعار انبسطوا». وتساءل آخر عن معنى قول الحكومة إن لقمة المواطن «خط أحمر».
ورأى محللون أن هذه القرارات ستخدم من جديد «تجار الأزمات» الذين سارعوا إلى رفع أسعارهم ويباع ليتر المازوت حالياً بين 350 و400 ليرة وجرة الغاز بنحو أربعة آلاف ليرة.
وسخر آخرون من تصريح وزير التجارة حسان صفية الذي اعتبر أن القرارات الجديدة جاءت في إطار خطة «عقلنة الدعم كون البلاد تعيش ظروفاً استثنائية»، وأن قرار توحيد المازوت «جاء استجابة لمطلب المواطنين منعاً لتهريبه إلى البلدان المجاورة». وقال أحدهم إن سعر البنزين والمازوت في سورية تجاوز في لبنان وتركيا.