أجمعت أوساط مراقبة للشؤون الروسية أن الظروف الإقليمية والدولية توفّر مناخات لصالح استراتيجيات موسكو وخيارات رئيسها فلاديمير بوتين.
ورأت هذه الأوساط أن نجاح روسيا في جرّ كافة أطراف الصراع في سوريا إلى محادثات أستانة عزز من حضور موسكو الإقليمي والدولي، كما جعل من روسيا ممرا إجباريا لأي تسوية في سوريا وعنوانا مقبلا لحل أي نزاعات في المنطقة.
وأعلن البيان الختامي لمباحثات أستانة الثلاثاء، إقرار آلية مشتركة تركية روسية إيرانية، لمراقبة وقف إطلاق النار في سوريا.
ولفت البيان إلى أن الأطراف الثلاثة، “أبدت قناعتها بأنه ما من حل عسكري للصراع السوري، وبأن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية، قائمة على أساس قرار مجلس الأمن 2254”.
ولاحظت مراجع دبلوماسية غربية أن الدور الروسي بات مقبولا من كافة الأطراف الإقليمية، وأنه أصبح مطلوبا لمعالجة بعض ملفات المنطقة على منوال ما يفصح عنه التحرك الروسي العسكري والدبلوماسي في الشأن الليبي.
ونقل عن مراقبين حضروا مؤتمر أستانة أن الطرف الروسي كان مهيمنا على تفاصيل المناسبة في الشكل والمضمون، وأن موسكو كانت حريصة على الاستقالة من موقعها كطرف داخل النزاع السوري وساعية إلى الظهور بموقع الراعي المحايد.
وأضاف المراقبون أن وفد الفصائل المعارضة قد لاحظ ذلك بحذر وسعى إلى التعامل بإيجابية مع الجهود الروسية. كما ارتاح الوفد إلى ما صدر عن القاعدة الروسية في حميميم لأول مرة من تعبير عن “القلق” من الخروقات التي يرتكبها النظام لاتفاق وقف إطلاق النار.
ويعتقد المحلل السياسي والأكاديمي الروسي ألكسندر فافيلوف أن مؤتمر أستانة حقق نجاحا ضمن التوقعات التي وضعتها روسيا.
وقال فافيلوف في تصريح خاص لـ”العرب” إن “روسيا تتطلع للعب دور بناء في كل الأزمات في المنطقة فمثلا إيجاد حل للأزمة الليبية انطلاقا من الشروط المحلية الموضوعية لهذا البلد”.
وأضاف أن “الشرق الأوسط قريب بالنسبة إلى روسيا ليس جغرافيا فقط بل هو قريب سياسيا واجتماعيا ودينيا، فخمس سكان روسيا من المسلمين، كما تشاطر روسيا المنطقة العربية والمسلمة نفس المخاطر والمصالح”.
وقال أسامة أبوزيد، المتحدث باسم المعارضة السورية إن هناك “تعهدات من الجانب الروسي لاتخاذ إجراءات من أجل إنفاذ وقف إطلاق النار في سوريا، وخاصة المناطق المحاصرة”.
وأضاف “أن المعارضة تنتظر شيئا أكثر من التصريحات، وترغب في أن تراها واقعا على الأرض”.
ولفت دبلوماسيون غربيون إلى أن غياب التوتر عن الأداء الروسي يعود إلى استجابة تركيا وإيران لرعاية روسيا لجهود الحل في سوريا.
وأشار الدبلوماسيون إلى أن قدرة روسيا على جمع أنقرة وطهران، رغم تناقض أجنداتهما السورية، تحت المظلة الروسية يعكس مقدار الوزن الذي باتت موسكو تمتلكه في هذا الملف.
ولفتت الأوساط الدبلوماسية إلى انقلاب الدور التركي الذي لم يعد يطالب بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد. ولاحظت تراجع الدور الإيراني عما كان عليه قبل سنوات داخل سوريا إلى درجة لجوء إيران إلى ميليشياتها في الميدان لتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار في سعي لتأخير تراجع دورها الذي بات حتميا وفق منطق ما تسعى إليه روسيا.
واعتبرت أن ضعف الموقفين التركي والإيراني كان شرطا لأي تسوية وأن روسيا هي من حققت هذا الشرط.
ومن الواضح أن دول المنطقة بدأت تتيقن من أن الدور الأميركي سيستمر في التراجع لصالح روسيا، ولهذا باتت تتعامل مع موسكو بصفتها قوة الفعل الحقيقي، خصوصا أن روسيا تمتلك علاقات سليمة مع كافة دول المنطقة تقريبا رغم اختلاف الموقف من الملف السوري والليبي وملفات المنطقة الأخرى.
وفي هذا الإطار أعلن في موسكو عن أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني سيزور موسكو اليوم الأربعاء لبحث خطوات مكافحة الإرهاب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إضافة إلى مسائل التعاون الاقتصادي.
لكن مراقبين أميركيين يلفتون إلى أن الدينامية الروسية الراهنة تستفيد من جو الود والوئام الصادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحيث يظهر الموقف الروسي متواطئا مع موقف أميركي مساعد يوحي لأي طرف متردد في المنطقة بجدية الموقع الجديد لروسيا في الشرق الأوسط.
ولفت هؤلاء إلى أن روسيا لم تعد تعتبر الوجود الأميركي مقلقا بل بات مطلوبا من وجهة نظر موسكو.
العرب اللندنية