أبدت أطراف الصراع في سوريا ترحيبا حذرا باتفاق وقف الأعمال العدائية، دون أن تخفي هواجسها وشكوكها حيال إمكانية نجاحه.
وكانت كل من الخارجية الروسية والأميركية قد أعلنت، الاثنين، في بيان مشترك عن اتفاق وقف الأعمال العدائية والذي يحمل بين طياته غموضا كبيرا إزاء كيفية تطبيقه على أرض الواقع.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الثلاثاء، “سنرى بسرعة شديدة ما إذا كانت الدول جادة بشأن اتفاق وقف الاقتتال في سوريا”، محذرا من أن هناك خيارات أخرى بديلة في حال فشل الاتفاق.
وأعلنت دمشق في وقت سابق، الثلاثاء، عن قبولها بالاتفاق الذي من المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ، ليل الجمعة السبت، مستثنيا الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والنصرة.
وأبدت الحكومة السورية “استعدادها لاستمرار التنسيق مع الجانب الروسي لتحديد المناطق والمجموعات المسلحة التي سيشملها الاتفاق”.
وتصنف الحكومة السورية كافة الفصائل التي تقاتلها بـ”الإرهابية”، ولكنها تجد نفسها اليوم مرغمة على الموافقة على الاتفاق بالنظر لفقدانها منذ مدة مفاتيح التحكم بمصيرها لصالح روسيا.
وفسر مراقبون هذا التغير التدريجي حيال الوحدات الكردية السورية خاصة بالضغوط التي تمارسها أنقرة على الأوروبيين عبر ورقة اللاجئين التي تؤرق القارة العجوز.
ويذهب كثيرون إلى اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يخشى فعليا من ردود الفعل التركية في شمال سوريا، إزاء تقدم هذا الطرف الذي بات عنصرا رئيسيا ومؤثرا في المعادلة السورية، وهو ما سيفضي إلى موجة نزوح جديدة.
وكان الأكراد قد حققوا تقدم مهما في شمال سوريا وباتوا قريبين من مدينة أعزاز على الحدود التركية السورية من جهة حلب، فضلا عن سيطرتهم على مناطق متقدمة في الحسكة.
وأكدت مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، الثلاثاء، أنّ الاتحاد يعارض الأنشطة والفعاليات الانفصالية الكردية سواء في تركيا أو سوريا أو العراق.
وكان الاتحاد الأوروبي قد طالب في أكثر من مرة أنقرة بالتوقف عن استهداف الأكراد في شمال سوريا.
ولكن الموقف الجديد الصادر عن الاتحاد يؤكد وجود تغير. ويتعزز هذا الأمر بتصريحات لوزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في مجلس العموم البريطاني.
وقال هاموند، الثلاثاء، إن بلاده لمست أدلّة مزعجة حيال التنسيق القائم بين “قوات كردية” والنظام، والقوات الروسية في سوريا.
ولفت هاموند، إلى أنّ “هذا التنسيق يثير قلق بلاده حيال دور الأكراد في سوريا”.
ويعتبر البعض أن التطور الحاصل في موقف الأوروبيين لا يمكن فصله أيضا عن الأزمة مع روسيا خاصة في علاقة بالملف الأوكراني والسوري.
بدورها رحبت الهيئة العليا للمفاوضات السورية في بيان لها عقب اجتماع طارئ عقده بالعاصمة السعودية الرياض بالاتفاق.
ولم تخف الهيئة المشكلة في ديسمبر الماضي في ذات الوقت توجسها من صعوبة تحقيقه خاصة وأن النظام سبق وعمل على إجهاض مبادرات سابقة تمهد للتسوية السياسية في سوريا.
وأوضحت أن إمكانية التزام النظام والقوى الحليفة له بوقف الأعمال العدائية ضعيفة لإدراكهم أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد مرهون باستمرار حملة القمع والقتل والتهجير القسري، ولذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم لإفشال العملية السياسية والتهرب من استحقاقاتها الحتمية.
وكان النظام السوري قد حقق خلال الفترة الأخيرة تقدما مهما في عدة جبهات وخاصة بمحافظتي اللاذقية وحلب (شمال البلاد)، وذلك بفضل الدعم الجوي الروسي.
ورغم إعلان موافقته على الاتفاق فإن هناك شكوكا كبيرة بالتزامه وحلفائه الإقليميين بتنفيذه، خاصة وأنه يرى أن مسار التطورات الميدانية لصالحه اليوم.
وقال القائد السابق للمجلس العسكري في حلب العقيد عبدالجبار عكيدي لـ”العرب” الفصائل والمعارضة أبدتا إيجابية في التعاطي مع وقف العدائيات، ولكن لابد من الحصول على ضمانات بأن يلتزم النظام وحلفاؤه به.
وأضاف القيادي يجب على الروس أن يكفوا على استهداف مناطقنا بحجة الإرهاب.
ومن بنود الاتفاق الروسي الأميركي استهداف تنظيمي النصرة وداعش والجماعات الإرهابية المقربة منهما (دون تحديدها)، ويشكل هذا الجانب تحديا كبيرا فالمناطق التي تسيطر عليها النصرة على سبيل المثال تتداخل بشكل يصعب تمييزه مع مناطق المعارضة سواء كان في حلب أو اللاذقية أو إدلب أو دمشق أوالجنوب.
وهنا لسائل أن يسأل كيف سيتم التعامل مع هكذا وضع.
ويجيب جان الياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة بالطبع هو تحد كبير لنا في ما يتعلق بالمراقبة وما يجب أن نواجهه لاحقا. النقطة الثانية اللافتة في الاتفاق هو تجاهل الأعمال الإرهابية التي تقترفها مجموعات شيعية موالية للنظام كحزب الله اللبناني ومنظمة بدر العراقية وغيرها.
وقال عبدالجبار عكيدي في تصريحاته لـ”العرب” “نحن ضد الفصائل الإرهابية ولكن يجب أن يشمل كل أنواع الإرهاب أيضا مثل حزب الله وأبوالفضل العباس والميليشيات الأفغانية والإيرانية”.
ورغم الشكوك في تطبيق الاتفاق على أرض الواقع أبدت عديد الدول مثل فرنسا وبريطانيا ومصر ارتياحها لما تحقق.
واعتبرت قيادات عسكرية سورية أن الاتفاق سيكون فرصة لا بد من البناء عليها.
وقال العميد السوري إبراهيم الجباوي في تصريحات لـ”العرب” أعتقد أن الهدنة فرصة لالتقاط الأنفاس إذا التزمت بها روسيا.
العرب