اشتهرت تلك المدينة بعاصمة الثورة ، عايشت الحصار والدمار، وخاضت حرباً عقب ثورة شعبية، ومواجهة عسكرية مفتوحة، بين أصحاب أرضٍ و بين أتباع نظام حاكم، فتحولت لساحة صراع مكشوفة، ترصدها باستمرار فوهات القناصة وعدسات الكاميرات، وحكاية الموت تحكيها وكالات الإعلام، عن حصيلة القتلى اليومية و فنون الدمار، وفصول التحدي بين الجوع أو الركوع، ليبقى الواقع القائم هو الشاهد الصادق
_ عدد أيام الحصار ما يزيد على 600 يوم ، ويقدر عدد المدنين ضمن حدود المنطقة المحاصرة بـ 3 آلاف مدني، بينهم 1000 امرأة ومايزيد عن 300 طفل بعضهم ولد داخل الحصار.
_ جميع المدارس والأسواق مغلقة وانقطاع كامل لخدمات المياه والكهرباء والصرف والاتصال والنقل
_ أكثر من أربعين مسجد وثمانية كنائس وعشرات المعالم الأثرية ما بين المدمرة والمحترقة
_ أنتشار الريقان وأمراض الكلى، وعشرات حالات البتر للأطراف بسسب غياب الدواء والعلاج الطبي البسيط، وطبيب غير مختص لكل 1100 شخص.
09/06/2012: بداية الحصار بالسيطرة على أحياء جب الجندلي و باب السباع و عشيرة وديربعلة ومن ثم البياضة
سيطر النظام على هذه الأحياء بشكل تدريجي عبر الحملات العسكرية، وقام بأغلاق جميع المنافذ والطرقات على أحياء حمص المحاصرة المذكورة باستثناء منفذ وحيد من حي جورة الشياح باتجاه حي الوعر بقي سالكاً برغم خطورة العبور منه بسبب وقوعه على مرمى قناصة الأسد.
طيلة عام كامل من هذا التاريخ قامت قوات الأسد باستهدف سيارات الخبز والمواد الغذائية، وسقط عدد كبير من المدنين نتيجة القنص والقصف بما أصاب الحركة نحو حمص المحاصرة بالشلل الكامل وأصبحت المناطق المسيطر عليها من قبل قوات الأسد منطلقات للقصف ما أدى لتهجير أغلب السكان من المناطق المحيطة وتم قطع الخدمات عن المنطقة المحاصرة.
في كانون أول/ديسمبر 2012 استطاع الثوار التقدم في محور البياضة _شرقي المنطقة المحاصرة_ فقام النظام بردعهم بالسلاح الكيماوي محافظاً بذلك على حدود الحصار.
09/06/2013: إحكام الحصار
تمكن النظام من إحكام السيطرة غربي جورة الشياح وإغلاق المعبر الوحيد الواصل بين المنطقة المحاصرة وبين الوعر، حتى أن قوات الأسد قامت بتدمير خطوط الصرف الصحي بما يحول دون استعمالها للخروج من الحصار.
بلغ عدد المحاصرين آنذاك قرابة 3500 شخص، وعدد الأحياء المحاصرة 14
غابت الدولة بكل خدماتها، وبقي النظام بقصفه وحصاره، فتحولت المنطقة المحاصرة لمحيط واسع من الخراب، وعاد الحصار بشكل الحياة إلى عصور قديمة، حيث لم يعرف الإنسان صنابير المياه أو شبكات الهاتف أو شبكات الكهرباء، وعادت للظهور بعض المهن المنقرضة كمهنة البوابيري (مصلح القنديل، وهو أداة تستعمل الزيت أو الغاز كسراج للإنارة) ومصلح الآبار العربية التي تعمل بالحبل والدلاء لا بالمضخة الكهربائية، بعض الأمهات تغلي البرغل مع القطر “بديل للسكر” كي يطعمن أولادهن كبديل عن الحليب المفقود، غير أن هذا أصبح مؤخراً شكلاً من الذكرى الجميلة، حيث البرغل لم يعد متوافراً أيضاً، ولم يعد خبراً مستغرباً ولادة الأطفال خدج (بوزن دون الثلاثة كيلو غرام لدى الولادة) ولخبر وفاة الخدج بعد أيام قليلة من الولادة بسبب سوء التغذية وفقدان حليب الأطفال.
مع قلة الغذاء وقلة الماء أيضا، اضطر المحاصرون لشرب مياه الآبار المنزلية الملوثة بعد أن قطع عنهم النظام الماء بعد ثلاثة أيام من بدء الحصار، وهذا ما تسبب في حالات مرضية عديدة، لا سيما اليرقان الذي أدى إلى موت أربعة أطفال، في ظل افتقاد المدينة للأدوية ونقص الأطباء.
هشاشة الوضع الغذائي تزامنت مع هشاشة الوضع الصحي، فقد وجد أربعة أطباء أنفسهم بين المحاصرين مسوؤلين عن توفير الرعاية الطبية لحوالي ألفي شخص مدني، إضافة للمقاتلين من ثوار المدينة وكان عليهم التنقل بين الأحياء المحاصرة وسط القصف والاشتباكات للوصول إلى المرضى لمعاينتهم.
أبو الغيث طبيب أسنان وصف الوضع الطبي خلال الحصار بأنه مأساوي، “مارست الطب العام، وعملت مع زملائي الأطباء وبعض الصيادلة على تركيب أنواع من الأدوية من الحشائش والحبوب، لم نملك إمكانية تجربتها، كنا نعطيها للمرضى بعدما نفدت أكثر الأدوية، علينا فعل شيء ما لإنقاذ أهلنا المرضى، فشلنا أحيانا ونجحنا أكثر، إنّها مشيئة الله”.
بدورهم، أكد ناشطون إعلاميون أن الأشهر الأربعة الأخيرة كانت قاسية جدا على الجميع، حيث نفدت كل أنواع الأطعمة، وراح المحاصرون يطبخون أوراق الأشجار والحشائش، وحدثت حالات تسمم عديدة، توفي رجل مسن على أثرها.
ويبقى الواقع أكثر مرارة مما تخطه الأقلام وتتناقله وسائل الاعلام…..
فهل ياترى قد سقطت أسطورة تحدث بها العالم أسطورة حملت الجزء الأكبر من معاناة الثورة السورية صمدت في وجهه الحصار تلوى الحصار وخاضت الحرب تلوى الحرب
أم أنها انتصرت على الحصار والجوع…
—————-