لا يبدو أن إيران وحليفها حزب الله اللبناني سيجدان طريقا للخروج من الورطة السورية في ظل تزايد أعداد القتلى، وخاصة من القيادات النوعية التابعة لهما في المعارك، وفي ظل إصرار القيادة السياسية على الاستمرار بالحرب رغم الخسائر الكبيرة لكليهما.
ومن الواضح أن إيران تجد صعوبة في الإقرار بأنها تتلقى ضربات موجعة في سوريا، فهي تتكتم على مشاركتها العسكرية المباشرة لتبدو وكأنها تكتفي بتقديم الاستشارة العسكرية لقوات الرئيس السوري بشار الأسد.
وسيؤثر اعترافها بتلقي خسائر كبيرة، ولا شك، على خطابها الدعائي الذي يسوّق للحرب في سوريا على أنها حرب مقدسة، وأن النصر سيكون حليفها، وأن الهزيمة قد تهز ثقة الجمهور في أن ولاية الفقيه هي الفرقة الناجية الوحيدة مثلما يسوّق لذلك الإيرانيون منذ ثورة آية الله الخميني في 1979.
وقال محللون إنه من الصعب أن يربح الإيرانيون وحليفهم حزب الله الحرب في سوريا في ظل تماسك السوريين ورفضهم سياسة الأمر الواقع التي يلجأ لها الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس، لافتين إلى أن طهران والميليشيات المرتبطة بها تستطيع أن تقتل غالبية السوريين لكنها لن تنتصر عليهم. وهذا هو الدرس الذي بدأ القادة الإيرانيون يتعلمونه الآن.
وبدا الأمر في بداية التدخل العسكري المباشر من إيران وحزب الله على أنه مجرد نزهة، لكن الوضع انقلب تماما بعد أن طال أمد الحرب، وانخرطت فيها أطراف أخرى خاصة الروس الذين أمسكوا بالملف السوري ككل ودفعوا طهران إلى أن تغامر بإرسال المئات من الجنود والخبراء والمستشارين في محاولة لإثبات قوتها ودورها في بقاء الأسد بالسلطة.
ويعيد الإيرانيون إنتاج تجربة الأميركيين في فيتنام خلال ستينات القرن الماضي حين أرسلوا كتيبة من المستشارين العسكريين لتعزيز مواقعهم وحمايتها، لكنهم انتهوا إلى إرسال الجيش الأميركي كله إلى الحرب ليغرق في المستنقع. وهو ما وقع فيه الروس بأفغانستان نهاية سبعينات القرن العشرين حين أرسلوا مستشارين عسكريين كخطوة أولى ثم ذهب الجيش السوفييتي كله يحارب هناك.
وشكل هجوم مقاتلي المعارضة على مدينة خان طومان قرب حلب منذ أيام إحدى أكبر الانتكاسات لإيران التي لم تستطع أن تتكتم على خسائرها وخسائر الميليشيات الحليفة.
وقدرت تقارير عدد القتلى في صفوف الإيرانيين والأفغان واللبنانيين بما يصل إلى 80 في الهجوم. وكان 17 من القتلى على الأقل إيرانيين وهو على ما يبدو أكبر خسارة لإيران في معارك خارجية منذ الحرب مع العراق.
وهناك مخاوف بين المسؤولين والقادة العسكريين الإيرانيين من أن الأنباء عن وقوع خسائر بشرية كبيرة قد تحوّل الرأي العام ضد مشاركة إيران في سوريا.
وأشار المحللون إلى أن ما بعد معركة خان طومان سيكون مختلفا تماما بالنسبة إلى الإيرانيين عمّا قبله، حيث من المقرر أن يكفوا عن التلويح بالنصر في معركة حلب التي وصفها الإعلام الإيراني بأنها معركة الحسم، وأنها لن تستمر طويلا.
ويكتفي الإيرانيون الآن بالبحث عن مبررات للهزيمة التي ستكون لها نتائج مؤثرة على معنويات عناصر الحرس الثوري الذين شاركوا فيها ومن ورائهم الجيش الإيراني الذي يتباهى بمنجزاته في صناعة الأسلحة دون أن ينجح عمليا في أيّ حرب خاضها.
واتهمت طهران موسكو بأنها تهاونت ولم تقدّم لهم التغطية الجوية اللازمة، ثم اتهمت الأميركيين بأنهم وراء الهزيمة حينما مكنوا المقاتلين السوريين من عدة هدن لترتيب أمورهم والاستعداد للمعركة.
وبعد أحداث خان طومان تعرضت إيران وحلفاؤها لضربة أشد بمقتل القيادي في حزب الله مصطفى بدرالدين.
ولا شك أن هذه الضربة ستكون مؤلمة لحزب فقد أكثر من خمسين من قياداته النوعية في سوريا، وأكثر من 1600 مقاتل، خاصة في ظل تململ داخلي واسع للمطالبة بسحب الحزب لمقاتليه من المستنقع.
وفقد الحزب الكثير من سمعته منذ تدخله بسوريا في 2012، فقد سقطت أسطورة الحزب الذي لا يقهر. وفيما كان الحزب وأمينه العام حسن نصرالله يتباهى باستهداف إسرائيل وتحميلها مسؤولية مقتل أيّ قيادي أصبح الآن يبرّئها من عملية اغتيال بدرالدين خاصة أنه دأب على التوعد بالرد لكنه صار عاجزا عن رد الفعل بعد أن استنفد كل قوته في سوريا، وأيّ تهديد يطلقه سيصبح مثار سخرية وتندر حتى داخل الحزب نفسه ووسط جمهوره الذي مازال ينتظر وعده بالرد على مقتل عماد مغنية.
وقال بيان للحزب السبت إن التحقيق الذي أجراه أثبت أن مقتل بدرالدين “ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة”، مشددا على أن “نتيجة التحقيق ستزيد من عزمنا وإرادتنا وتصميمنا على مواصلة القتال ضد هذه العصابات الإجرامية وإلحاق الهزيمة بها”.
إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان شكّك في هذه الرواية وقال إنه لم يحدث قصف في هذه المنطقة منذ أكثر من أسبوع.
ويتوقع المراقبون أن يستمر نصرالله، الذي فقد أغلب قادته العسكريين، في المعركة ويدفع بمقاتليه إلى آخرهم على أمل أن يحقق “النصر” الذي وعد به في سوريا، متجاهلا تغير الموازين على الأرض في ظل تقلص ملحوظ للغطاء الجوي الروسي الذي كان الحزب يستفيد منه، فضلا عن دعم موسكو للتهدئة مقدمة للحل السياسي، وأن اختلاف الأهداف قد يعجّل بصدام بين حلفاء الأسد.
صحيفة العرب