أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا تقريرها السنوي للدول الراعية للإرهاب لعام 2015، وقد وضعت فيه إيران على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب المزعوم. ولذا، يبدو أنه من الضروري أن ننوه على النقاط الخمس التالية في هذا الصدد:
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إيران باعتبارها الراعي الرئيسي للارهاب في العام 2015 في الوقت الذي اتخذت فيه إيران موقفا رائدا في مكافحة الرمز الرئيسي للإرهاب في الشرق الأوسط، وهو تنظيم داعش الإرهابي، خلال نفس السنة . وفي حين أشارت تقارير كثيرة أن بعض دول المنطقة، التي تمتلك علاقات عميقة واستراتيجية مع الولايات المتحدة، تساعد بعض الجماعات الإرهابية في المنطقة، وقفت إيران ضد الجماعات الإرهابية الرئيسية في سوريا والعراق، ليس عن طريق الشعارات فقط ولكن في مسرح الحرب الحقيقي، ودفعت تكاليف باهظة في هذا الصدد، بما في ذلك فقدان عدد كبير من قادة وجنود جيشها.والمفارقة اللاذعة في هذه الأمر هو أن المسؤولين الأمريكيين، الذين يضعون الآن اسم إيران على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب، كثيرا ما تحدثوا عن الدور الذي لعبته إيران في الحرب ضد داعش. وقبل أقل من شهرين، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز إن ايران تسعى حقا لتدمير داعش. كما أعرب عن أمله في أن تكون واشنطن قادرة على التعاون مع ايران في محاربة الإرهابيين في سوريا.
ويبدو أن هذا التناقض الواضح بين أقوال وأفعال المسؤولين الأمريكيين سوف يلقي ،أكثر من أي شيء آخر، ظلالا من الشك على مصداقيتهم.
خلال نفس العام الذي ادعت فيه وزارة الخارجية الأمريكية أن إيران قد تصدرت قائمة الدول الراعية للإرهاب، هاجمت المملكة العربية السعودية جارتها الجنوبية، اليمن، وكما أثبتت المؤسسات الدولية، شرعت في ارتكاب مذابح ضد المدنيين اليمنيين، وخاصة الأطفال . وبطبيعة الحال، بسبب الضغوط التي مارستها السعودية وتهديدات الرياض بخفض مساهمتها المالية في الأمم المتحدة، تم رفع اسمها من القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال في الحرب، ولكن هذا الأمر لن يغير من القضية الرئيسية شيء. والسؤال هو “لماذا لم يتم ادراج اسم هذا البلد، الذي يرتكب هذه الأفعال الواضحة من الإرهاب، ضمن القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وبدلا من ذلك، يُنظر إلى الدولة الأخرى التي تقود الحرب ضد داعش في المنطقة على أنها المتهم الرئيسي لدعم الإرهاب؟
كما توجد نقطة أخرى مثيرة للاهتمام وساخرة بالطبع، وهي أن التقرير الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يأتي وسط المناقشات الساخنة التي تثار حول الدور الذي لعبه كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية في الهجمات الإرهابية التي ضربت نيويورك في 11 سبتمبر 2011. وفي الوقت نفسه، كثيرا ما تم تقديم هجمات 11/9 الإرهابية في السنوات الأخيرة من قبل مختلف المسؤولين الأمريكيين على أنها الرمز الأكثر وضوحا للإرهاب. والآن، يجب على المرء أن ينتظر ليرى ما إذا كانت الجهود التي تم بذلها لإخفاء دور المملكة العربية السعودية في هذه الهجمات الإرهابية كان لها علاقة بأموال الرياض من البترودولار كما كانت الحال مع الإجراء الأخير من قبل الأمم المتحدة لرفع اسم المملكة العربية السعودية من قائمة منتهكي حقوق الأطفال أم لا؟
مع مرور الوقت، تبتعد العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن الأخلاق والمبادئ الإنسانية، وفي وقت يُنظر فيه إلى العديد من القضايا بوصفها أدوات لتحقيق الغايات، يمكن في أحسن الأحوال التشكيك في المنطق الكامن وراء إصدار العديد من القوائم المتعقلة بمثل هذه القضايا مثل الإرهاب وحقوق الإنسان. وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أن هذه القوائم غالبا ما تستخدم كأدوات تلعب أدوارا في العلاقات بين الدول. ومع ذلك، فإن القضية الأكثر أهمية هي أن هذه المصطلحات الهامة مثل مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان تفقد بشكل متزايد كلا من مصداقيتها ومعناها. وهذا التطور لن يفيد السياسة العالمية على المدى الطويل.
إعادة تكرار بعض السياسات غير البناءة، بما في ذلك الإجراء الأخير الذي اتخذته وزارة الخارجية الأمريكية، والاستيلاء على ملياري دولار من الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة، أو بعض التدابير التي تم اتخاذها في الماضي مثل إدراج إيران ضمن ما يسمى بـ “محور الشر “(في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش)، جميعها قد تم اتخاذها بعد اعتماد سياسة تفاعلية وإيجابية من قبل إيران، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة حالة عدم الثقة تجاه الولايات المتحدة بين المسؤولين الإيرانيين والشعب الإيراني. وسوف تكون هذه الحالة من انعدام الثقة ،بدورها، بمنزلة عقبة رئيسية للحد من التوترات القائمة في العلاقات بين طهران وواشنطن، وسوف تبطئ مسيرة تطبيع العلاقات بينهما. ويرى كثير من الإيرانيين أن اعتماد نهج تفاعلي وبناء في مواجهة الولايات المتحدة سوف يكون غير مجديا على المدى الطويل، لأن التجربة الماضية تثبت أن واشنطن لن تظهر رد فعل إيجابي تجاه هذا النهج الذي تعتمده طهران.
يتماشى الاجراء الأخير من قبل الولايات المتحدة مع سياسة واشنطن التي لا تتغير والتي تنطوي على الاستفادة من أدوات الضغط بالتزامن مع الجهود الدبلوماسية، وخاصة فيما يتعلق بالقضية النووية. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أنه في ظل ظروف بدء اتفاق الصفقة النووية، كان اتخاذ مثل هذه التدابير عن قصد أو عن غير قصد سوف يوجه ضربات قاسية إلى هذا الاتفاق المهم. وهناك مخاوف من أن تؤدي مثل هذه التدابير المعادية إلى إشعال التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين، والذي قد يؤدي بدوره إلى مشاكل جديدة. ونتيجة لذلك، تزيد هذه التدابير من تحفظ وحذر الشركات والبنوك الأجنبية المستعدة لإعادة العلاقات مع إيران. وهذا يناقض الحقيقة القائلة بأنه وفقا للاتفاق النووي، كان من المفترض أن يتم تجاوز هذه العقبات. وبطبيعة الحال، في ظل هذه الظروف، قد تثير هذه التدابير رد فعل ايران واذا استمر تكرار مثل هذه المواقف، سوف يستحيل الاتفاق النووي تدريجيا إلى قطعة من الورق البالي لا أكثر. ومع ذلك، فإن فشل الاتفاق النووي الذي تم التوصل اليه من قبل جميع الأطراف المعنية بعد سنوات عديدة من النزاع، سوف يضر جميع الأطراف.
إيران ريفيو – إيوان24