تنبأ زكاري شرايبر على نحو صحيح بالانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية منذ عامين، ويصدر الآن تحذيرات بشأن الكارثة المالية التي ستصيب المملكة العربية السعودية. وقد توقع مؤخرا أن المملكة العربية السعودية سوف تعلن إفلاسها فيما يتعلق بهيكلها المالي لأن البلاد تواجه تهديدات تتعلق بالتكاليف المرتفعة للغاية في مقابل تراجع أسعار النفط. ويقول شرايبر إن المملكة العربية السعودية تعاني بلا شك في الوقت الحالي من الديون الكبيرة. وبحسب تقريره، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولارا للبرميل من أجل تلبية احتياجاتها. وقد لاحظ شرايبر أيضا أن برامج الاسراف الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تتعارض مع انخفاض أسعار النفط.
وكانت احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي للمملكة العربية السعودية سابقا تبلغ حوالي 600 مليار دولارا أمريكيا، ولكن السعوديون استهلكوا ما يقرب من 140 مليار دولارا من هذه الاحتياطيات بين أواخر العام 2014 وشهر فبراير من هذا العام. وقد حذر صندوق النقد الدولي مؤخرا من أن المملكة العربية السعودية سوف تستنفد في نهاية المطاف كل ما لديها من نقد. الوضع خطير للغاية لدرجة أن الديوان الملكي السعودي يشعر بالقلق الآن.
ويبدو أن التغييرات الأخيرة في صفوف الوزراء في المملكة العربية السعودية هي نتيجة السياسات الخاطئة التي تعاني الرياض حاليا من عواقبها. فخلال السنوات القليلة الماضية، سايرت المملكة العربية السعودية باستمرار السياسات الأمريكية التي استهدفت تركيع إيران وإجبار طهران على التخلي عن برنامجها النووي.
ومن أجل القيام بذلك، قامت المملكة العربية السعودية بزيادة انتاج النفط بكميات هائلة، مما تسبب في انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية، والآن وقع الاقتصاد الريعي السعودي الذي يعتمد على ايرادات النفط التي تشكل 90% من ايراداته، في نفس الفخ الذي نصبته الرياض لطهران . وفي ظل هذه الظروف، يفكر المسؤولون السعوديون في إجراء الإصلاحات. وبالطبع، تعتبر الإصلاحات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، في حد ذاتها، إيجابية وضرورية بالنظر إلى عدد السكان الشباب في البلاد. ومع ذلك، في ضوء العقبات الخطيرة التي توجد على طريق الإصلاحات في المملكة العربية السعودية، لا يمكن أن نتوقع من الخطط المتسرعة التي يقدمها المسؤولون السعوديون أن تؤدي إلى معجزة وأن تمنع الإفلاس الاقتصادي في البلاد. وبالتالي، أثار المحللون الشكوك حول الطبيعة الحقيقية لهذه الخطط، ومن بينها الحالات التالية الجديرة بالملاحظة:
العقبات التي تواجه الإصلاح في المملكة العربية السعودية
أولا: لا يستطيع الملك السعودي أن يضع خطط الإصلاحات التي من شأنها أن تضمن ازدهار البلاد في المستقبل. ولذلك، يجب أن نعلم تأثير المعاهد الأمريكية القابع وراء كل هذه الخطط التي أعدوها من أجل مستقبل البلاد، ولازال من غير الواضح ما إذا كانت نتيجة هذه الخطط سوف تتطابق تماما مع ما توقعه آل سعود أم لا.
ثانيا: الإصلاحات التي اقترحها الملك السعودي وابنه في معظمها اصلاحات ذات طابع اقتصادي، في حين أن التغييرات في المجالات السياسية والاجتماعية لازالت خطا أحمرا، على الرغم من أنه بدون إحداث تغيير في الفضاء السياسي والاجتماعي، من غير المرجح أن تكون أي خطة اقتصادية قابلة للتطبيق .
ثالثا: الأهم من تنفيذ الإصلاحات، يهدف الملك السعودي إلى إبراز قدرات ابنه محمد، ويمكن أن يكون هذا الأمر إشارة على زيادة الصراع على السلطة في البلاد. ويبدو أن الملك سلمان يحاول تغيير تقاليد البلاد من تقاليد تقتضي توارث حكم المملكة بين أبناء عبد العزيز، إلى تقاليد جديدة يتم فيها توارث الحكم بين أبناء الملك. ومع ذلك، فمن المؤكد أنه بعد وفاة الملك، ستؤدي هذه المسألة إلى اندلاع صراع على السلطة هو الأكثر خطورة في البلاد.
رابعا: حاول محمد بن سلمان ،الابن عديم الخبرة للملك سلمان، بالفعل من خلال التدخل المباشر في الوضع السوري وشن الحرب على اليمن أن يبين أنه خليفة مؤهل لوالده. ومع ذلك، فإن فشله في كلتا الحالتين يبعث برسالة مفادها أنه لا يمكن الوثوق به في القضايا الاقتصادية أيضا.
خامسا: يمكن أن تكون التحليلات بشأن الموقف المتغير للولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية والذي نتج عنه أن ترى واشنطن الرياض باعتبارها دولة صديقة عادية بدلا من حليف استراتيجي عاملا آخر تسبب في تعجيل المملكة العربية السعودية بتنفيذ مثل هذه الخطط من أجل الخروج من الموقف الصعب الحالي.
سادسا: أعلن محمد بن سلمان، المعروف بـ”قيصر الاقتصاد” في المملكة العربية السعودية والمسؤول عن عملاق الطاقة في البلاد أرامكو، مؤخرا أنه يخطط لبيع جزء من أسهم شركة أرامكو من أجل إنشاء صندوق سيادي بقيمة تريليوني دولار للمملكة العربية السعودية. ومن ناحية أخرى، لازال هناك بعض القضايا المفتوحة ضد آل سعود في الولايات المتحدة، بما في ذلك قضية دور آل سعود في هجمات 11/9. ولذلك، قد تفرض الولايات المتحدة حظرا على أصول البلاد بسبب مثل هذه القضايا، وخاصة قضية هجمات 11/9 الإرهابية.
سابعا: يتأثر الهيكل الثقافي والنظام التعليمي في المملكة العربية السعودية بالتعاليم الوهابية المتطرفة، التي تسببت في وجود هذه الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش. وما يعنينا هنا هو أن النظام السعودي الحاكم يواصل دعم مثل هذه الجماعات من أجل الحفاظ على شرعيته، ولن يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى بقاء هذا النظام.
ثامنا: يعتمد الهيكل الاقتصادي للمملكة العربية السعودية على الشركات التي تديرها الدولة والدعم الحكومي واسع النطاق وتوظيف العمال الأجانب من ذوي الأجور المتدنية، وليس هناك شك في أن هذه الإصلاحات الاقتصادية سوف تؤدي إلى قيام احتجاجات اجتماعية. ودعونا لا ننسى أنه في شهر أبريل، أعفى الملك سلمان وزير المياه والكهرباء في المملكة، عبد الله الحصين، من منصبه لأن الحصين كان في موقف حرج بسبب الانتقادات الخاصة بزيادة أسعار المياه وتقديم مقترحات جديدة لحفر الآبار. كما قام أيضا بتخفيض الإعانات التي توفرها الحكومة السعودية لشعبها في مجال الطاقة.
وتبين الحقائق المذكورة أعلاه بوضوح أن المملكة العربية السعودية بدون النفط تعادل المملكة العربية السعودية بدون مملكة ونظام ملكي.
إيوان24