سارعت إيران بعد إسقاط تركيا الطائرة الروسية، إلى إعلان موقف رافض للخطوة التركية، منحازة إلى روسيا حليفتها في سورية. ومع تصاعد التوتر بين أنقرة وموسكو، حاولت طهران ألا تساهم بتصعيد الموقف، وجاء الموقف السياسي الإيراني الأول من الخارجية، إذ اتصل وزيرها محمد جواد ظريف بنظيره الروسي سيرغي لافروف، بعد حادثة إسقاط الطائرة مباشرة، والتي وقعت بعد يوم واحد فقط من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران. وأكد ظريف أن ما حدث من شأنه أن يعقّد النزاع في سورية، كما أنه يرسل إشارات خاطئة لمن وصفهم بالإرهابيين، إذ إن “الجهود يجب أن تصب في سياق واحد وهو الحرب على الإرهاب في سورية”، بحسب قوله.
وفي السياق نفسه، نقلت المواقع الرسمية الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية حسين جابر أنصاري، قوله إن طهران قلقة من تبعات ما حدث، مشيراً إلى حساسية وتعقيد الوضع في سورية، وهو ما ينعكس على المنطقة والعالم. وأضاف أنه “بات من الضروري إيجاد صيغ واضحة للتعاون الدولي بهدف القضاء على الإرهاب، وهو ما يتطلب إرادة سياسية حقيقية والابتعاد عما يعقد هذا الملف وعما يفتح المجال أكثر أمام التنظيمات الإرهابية”.
الرئيس الإيراني حسن روحاني طالب بدوره موسكو وأنقرة بتغليب نهج الحكمة في التعامل مع قضية إسقاط الطائرة الروسية، معتبراً أن “التوتر وتبادل التهديدات لا يصب إلا في صالح الإرهاب وجماعاته التي تشكل تحدياً ميدانياً خطيراً”. إلا أن روحاني أكد في الوقت نفسه ضرورة أن تدعم دول المنطقة بلداً كروسيا كونه يحارب الإرهاب ويقصف مواقع تنظيم “الدولة.
التصريحات العسكرية الإيرانية لم تختلف كثيراً عن السياسية، فمالت لجهة الكفة الروسية، ولكنها كانت أكثر شدة وأكثر انتقاداً للدور التركي. فقد قال المستشار العسكري للمرشد الأعلى رحيم صفوي، إن “تركيا طرف داعم للإرهابيين في المنطقة، وما فعلته بالطائرة الروسية ستكون له تبعات جدية وخطيرة في المستقبل على هذا البلد الذي سيكون هو الطرف المتضرر”، بحسب رأيه.
وخلال اجتماع بين ضباط عسكريين منهم من ينتمي لقوات التعبئة المعروفة باسم “الباسيج”، وصف صفوي الحرب في سورية بغير العادلة، قائلاً إنها حرب بين جبهتين، الأولى تضم الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتركيا والأردن، والجبهة الثانية تضم إيران وروسيا والعراق وسورية وحزب الله اللبناني، معتبراً أن “تركيا تسمح بمرور الإرهابيين عبر أراضيها إلى سورية والعراق، وهي من تسببت بدفع الأوضاع نحو المزيد من عدم الأمن وعدم الاستقرار”، وأضاف أنها “ستدفع ثمن هذه الأفعال باهظاً”.
في المقابل، نقلت بعض المواقع الإيرانية، منها موقع مشرق وتابنك، عن قيادي عسكري في قوات النظام السوري لم تذكر اسمه، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، هو من أشرف على عملية تحرير الطيار الروسي الثاني الذي كان على متن الطائرة الروسية.
وأفادت هذه المواقع بأن المروحيات الروسية حلّقت فوق موقع إسقاط الطائرة، لكنها تعرضت لنيران أفراد من الجيش الحر، وفي الوقت ذاته كان سليماني على اتصال مع القيادات الروسية، وأبلغهم بوجود وحدة عسكرية جاهزة لتنفيذ هذه العملية، كونها تلقّت تدريبات ملائمة وعلى علم بالتفاصيل الجغرافية لتلك المنطقة على الحدود مع تركيا.
كان في هذه الفرقة ستة أفراد من حزب الله اللبناني، و18 عسكرياً سورياً تلقوا تدريبات خاصة على يد مستشارين إيرانيين، واستطاعوا تنفيذ المهمة بوجود سليماني في غرفة العمليات الخاصة التي قادتها، بحسب هذه المواقع.
وبين السياسة والعسكر، يبدو أن إيران ترجّح الكفة الروسية في الوقت الحالي على التركية، على الرغم من كل المؤشرات التي لا تتوقع أن تستغني طهران عن علاقاتها مع أنقرة، لكن تقاطع المصالح والذي يتطلب الإبقاء على توازن معين إقليمياً، وبوجود الطرف الأميركي بين روسيا وإيران، فإن التوقعات الواردة في مواقع إيرانية تصب في سياق استمرار التعاون الإيراني الروسي وبأن يتحرك الطرفان نحو المزيد من التعاون والتنسيق.
بين روسيا وإيران إرث تاريخي طويل ثقيل، فالعلاقات بينهما اتسمت بالتوتر تاريخياً، ولكن ما بدّلها عدد من الأمور، منها تحوّل الاقتصاد بينهما لمؤشر ثابت لتطوير العلاقات على عدد من المستويات، وخصوصاً مع حرص موسكو على الاستفادة من علاقاتها مع طهران ما بعد إلغاء العقوبات وما بعد الاتفاق النووي مع الغرب، في المقابل تحرص إيران على هذه العلاقة كون روسيا حليفاً سياسياً بالضرورة في الوقت الحالي.
ولكن بين تركيا وإيران الجارتين علاقات اقتصادية تجارية مميزة، وعلاقات سياسية لا يمكن وصفها بالسيئة على الرغم من الخلاف في الموقف على الملف السوري، وحتى بتأجيل زيارة ظريف إلى تركيا في أغسطس/آب الماضي، لمبررات قالت عنها الخارجية الإيرانية إن برامجه ولقاءاته الإقليمية كانت آنذاك متداخلة ومزدحمة، لكن الحكومة الإيرانية أكدت مراراً عدم رغبتها بخسارة العلاقات مع تركيا على الرغم من كل التوتر بينهما.
هذا يجعل بعضهم يتوقع أن تقوم طهران بمبادرة ما لتأدية دور الوسيط بين موسكو وأنقرة، وهو ما يمكن تلمسه من تصريحات روحاني الذي قال أخيراً إن كلاً من روسيا وتركيا شريك مهم لإيران التي لا ترضى بحدوث توتر بينهما، فهذا ليس من مصلحة المنطقة، داعياً البلدان للقيام بخطوات حذرة منعاً لحدوث أي إشكال جديد على غرار حادثة إسقاط الطائرة حسب تعبيره.
كما كان لافتاً ما نقلته وكالة أنباء مهر الإيرانية عن ظريف في رسالة وجّهها إلى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وأبلغه فيها أن منصبه هذا يساعد في استمرار العلاقات التي وصفها بالأخوية بين البلدين، داعياً إياه إلى “المزيد من التعاون والتنسيق مع إيران لحل المشكلات الأساسية في المنطقة وأولها محاربة الإرهاب”. وأضاف ظريف أن “تركيا وإيران بلدان جاران وعليهما التركيز على الظروف الحساسة والمعقدة في المنطقة”، مؤكداً ضرورة التشاور في ما بينهما بهدف “مكافحة الإرهاب”.
ولكن في مقابل هذا الخطاب السياسي للحكومة الإيرانية المعتدلة يأتي خطاب العسكر في إيران مؤكداً استمرار التنسيق بين طهران وموسكو ميدانياً. وبعد أن قررت موسكو بدء توجيه ضربات جوية عسكرية لمواقع في سورية، أعلن الحرس الثوري الإيراني عن زيادة عدد مستشاريه العسكريين هناك، وهم الذين ينفذون مهامهم على الأرض، بغطاء جوي روسي.
المصدر: العربي الجديد