أهداف ترمب في المنطقة
نجاح محدود
الموقف الإسرائيلي
سعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر جولته في المنطقة -التي بدأها بالسعودية وختمها فيفلسطين قبل أن يتوجه للفاتيكان- للتوصل إلى إجماع حول مواجهة خطط إيران بالمنطقة، وتحقيق اختراق سياسي على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، رغم أنه بدأ ولايته بالحديث عموما عن هذا الحل دون تحديد ملامحه الأساسية التي تقوم على أساس قيام دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل، تاركا ذلك لما سيتم التوصل إليه بين الطرفين!
فما الذي حققه ترمب في هذه الجولة؟ وهل كانت لديه خطة محددة يطرحها على الأطراف؟ وما هو المتوقع في المستقبل بالنسبة لإيران وللصراع مع إسرائيل؟
أهداف ترمب في المنطقة
في السعودية ركز ترمب على إنجاز اتفاقيات توريد أسلحة متطورة بقيمة 110 مليارات دولار مستغلا بذلك سعي الرياض لمواجهة ما يسمى الخطر الإيراني الذي يدق أبوابها على حدود اليمن. كما تمكن من إبرام اتفاقيات مختلفة بتمويل سعودي يصل إلى 350 مليار دولار على مدار عشر سنوات، وهو ما من شأنه أن يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للأميركيين.
“كانت إيران واتهامها بالإرهاب النقطة الثانية على جدول ترمب مع السعوديين، حيث بدا الطرفان متفاهمان حول مواجهة خطرها على المنطقة، وإلى جانب تفعيل بعض العقوبات الاقتصادية ضد إيران، فقد سعى الطرفان إلى إنشاء حلف عربي إسلامي ضدها وضد تنظيم الدولة”
وكانت إيران واتهامها بالإرهاب النقطة الثانية على جدول ترمب مع السعوديين، حيث بدا الطرفان متفاهمان حول مواجهة خطرها على المنطقة، وإلى جانب تفعيل بعض العقوبات الاقتصادية ضد إيران، فقد سعى الطرفان إلى إنشاء حلف عربي إسلامي ضدها وضد تنظيم الدولة.
وكان موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي كشف عن تخطيط ترمب للإعلان في الرياض عن تشكيل ما أطلق عليه اسم “ناتو عربي إسلامي سني”، وكانت القمة العربية الإسلامية مجالا للحشد في هذا الاتجاه بمشاركة 40 زعيما عربيا وإسلاميا.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن أحد أهداف زيارة ترمب للسعودية هو إيجاد تحالف ضد سياسات إيران. أما بخصوص زيارته للأراضي المحتلة، فقد أكد السفير الأميركي الجديد في إسرائيل ديفد فريدمان أن الرئيس الأميركي لن يحمل معه خطة سلام خلال هذه الزيارة.
وقال فريدمان -في حديث لصحيفة “إسرائيل اليوم” نشرته في 17 مايو/أيار 2017- إن ترمب ليس لديه “خطة دبلوماسية محددة أو خريطة طريق”، وأنه “يريد أولا رؤية الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) يجلسان معا ويتحدثان بدون شروط مسبقة على أمل أن يؤدي ذلك إلى سلام، فالولايات المتحدة لن تملي عليهما كيف سيعيشان معا”، مشيرا إلى “أن موقف ترمب يختلف كليا عن أوباما، فهو لم يقل إن المستوطنات عقبة في طريق السلام، ولم يقل إنه معني بتجميد الاستيطان”.
نجاح محدود
يمكن القول إن ترمب حقق نجاحا محدودا في جولته خصوصا فيما يتعلق بإطلاق مفاوضات التسوية. فهو يريدها بدون شروط مما يعني التنازل عن شرط وقف الاستيطان، كما لا يريد تحديد شكل الحل الذي وافقت عليه الإدارات السابقة والمستند إلى حل الدولتين، كما ورد في كلمة الرئيس الأميركي في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الفلسطيني.
وإذا أضفنا لذلك قدرات وإمكانيات هذا الرجل المتواضعة في إنجاز التسويات، وطريقته الفجة التي لا تؤهله لذلك، وحداثة عهده في السياسة، ومحدودية فهمه لتعقيدات الصراع؛ فإن ذلك سيحكم على مهمته بالفشل في هذا الإطار.
فقد قالت صحيفة واشنطن بوست إن ترمب “سيعامل سلام الشرق الأوسط كما يتعامل مع صفقة عقارية، وسيترك خلفه ضررا في هذا الصراع من الصعب علاجه”، لأنه “غير مدرب وليس على إلمام جيّد بتفاصيل هذا الصراع”.
ورأت أن ترمب ظل يقول بغرور للرئيس الفلسطيني محمود عباس ولغيره إنه سينجح في ما فشل فيه جميع الرساء الذين سبقوه، وسيبرم صفقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وعلقت بأن هذه العبارة تظهر أن ترمب -الموهوم بأن لديه إجابة لكل سؤال- لم يستمع لأي خبير في الصراع حتى الآن!!
وظلت خطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس -التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية- مؤجلة حتى لا تتسبب في تخريب مساعيه لإطلاق عملية التسوية، ومحاولة جمع الدول العربية على محاربة إيران وملاحقة تنظيم الدولة.
وفي المقابل، فإن عبارات المديح لإسرائيل كان لها ما وراءها في جولة ترمب الذي اكتفى بمطالبته بإطلاق مبادرات حسن نية، مقابل دعوة الفلسطينيين للتخلي عن أي شروط لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ودعوتهم لوقف ما يسمى التحريض على إسرائيل، وتصنيف حماسحركة إرهابية بما يحمله ذلك من مخاطر تشديد الحصار عليها.
“عبارات المديح لإسرائيل كان لها ما وراءها في جولة ترمب الذي اكتفى بمطالبته بإطلاق مبادرات حسن نية، مقابل دعوة الفلسطينيين للتخلي عن أي شروط لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ودعوتهم لوقف ما يسمى التحريض على إسرائيل، وتصنيف حماس حركة إرهابية “
إلا أنالرئيس الأميركي بات مقتنعا بخطوة السلام الاقتصادي بين إسرائيل والعرب، وهي الفكرة التي يتبناها ويدعو لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويتوافق فيها مع اليمين الإسرائيلي المتحالف معه. ونجح ترمب في وضع هذه القضية على الأجندة العربية أثناء زيارته للرياض.
ويذكر أنه جرى العام الفائت لقاء سري في العقبة ضم كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان برعاية وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.
وقد وافق نتنياهو -في هذا الاجتماع- على تقديم تسهيلات للفلسطينيين للبناء في مناطق “ج” (الواقعة تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية) بالضفة الغربية، وتجميد الاستيطان في المستوطنات النائية التي تقع في أقاصي الضفة الغربية مقابل إطلاق يد إسرائيل للبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى، مع طلب التزام أميركي بإحباط أي تحرك ضد إسرائيل في المحافل الدولية!
وحسب الصحافة العبرية، فإن مصر والأردن عرضتا على نتنياهو الاعتراف بيهودية الدولة مقابل إطلاق مفاوضات التسوية من حيث توقفت، وهو ما رفضه نتنياهو لأنه لا يريد أن يقدم أي استحقاقات للعرب والفلسطينيين (وقف الاستيطان)، ما دام يرى أنهم محتاجون إليه في المعركة على الإرهاب ومحاربة إيران.
وطلب نتنياهو أيضا أن تقوم السعودية والإمارات بأنشطة سياسية ذات منحى تطبيعي مع إسرائيل بشكل علني وجلي، وهو ما يبدو أنه بدأ يتحقق في الإمارات على الأقل!
أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس -أثناء زيارته للولايات المتحدة- على ترمب أن يلتقي مع نتنياهو برعاية الرئيس الأميركي، الأمر الذي يعني تراجعا عن مطلب وقف الاستيطان قبل استئناف المفاوضات المباشرة. كما نقلت مصادر عن عباس أنه سيقدم مبادرة للتخلي عن مزيد من أراضي الضفة (نحو 6%) في إطار مبادلتها بأراض في النقب، وذلك لتسهيل عملية التسوية مع إسرائيل.
الموقف الإسرائيلي
يرتكز الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية على رفض قيام الدولتين في ظل التحالف القائم بين الليكود واليمين الإسرائيلي.
فقد قالت تسيبي حوتوبيلي نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية إن المآل المتوقع لحل الدولتين مع الفلسطينيين في طريقه إلى الفشل، وإن الإسرائيليين مطالبون بالحديث أمام إدارة الرئيس الأميركي عن حلول بديلة وخيارات جديدة، من بينها إقامة فدرالية بين الفلسطينيين والأردن، والعمل على إلغاء مصطلح احتلال.
وأشارت الوزيرة -المنتمية إلى حزب البيت اليهودي اليميني المتحالف مع الليكود في الحكومة- إلى أنه بناء على القانون الدولي وقرار عصبة الأمم في سان ريمو، فإن غرب الأردن منطقة يجب أن تكون جميعها خاضعة للسيادة اليهودية، على حد زعمها.
وبدوره أشار وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس -الذي يعتبر من رموز حزب الليكود الحاكم- إلى أنه في ضوء احتمالية تجدد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين؛ فإن أي مباحثات جديدة يجب ألا تسبقها شروط مسبقة، زاعما أنه لا يوجد في حكومته من يعارض الذهاب إلى مفاوضات مع الفلسطينيين وفق هذه الرؤية.
“نجح ترمب في تشديد الحصار على إيران وإعادة موضعة إسرائيل كمحور للمواجهة معها. وربما ينجح في إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن لا يزال أمامه مشوار طويل قبل أن يتوقع تحقق نتائج على الأرض من جولته هذه”
وذكر أن مبادرته لإقامة جزيرة مائية قبالة شواطئ قطاع غزة تحظى بموافقة المؤسسة الأمنية، وهناك نقاشات لا بأس بها حول الموضوع في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، ورغم إعلان معارضة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان لهذا المشروع فإن الأجهزة الأمنية توافق عليه.
وهكذا، فإن الحزبين متفقان على استئناف المفاوضات بدون شروط مع تباينات حول تكتيكات المفاوضات، مما يعطي الفرصة لصمود هذا الائتلاف.
كما أن الحزبين متفقان على مبادرة السلام الاقتصادي التي أطلقها نتنياهو، حيث أكد كاتس أن هناك تعاونا بين إسرائيل وأميركا والدول العربية بالمنطقة لمواجهة التدخل الإيراني بسوريا، مشيرا إلى وجود تقدم بين هذه الأطراف مجتمعة لوضع حد لهذا التدخل.
والخلاصة هي أنه يبدو أن ترمب ما زال أمامه مشوار طويل لتحقيق إنجاز في عملية التسوية السياسية، خصوصا أن موافقة عباس على السلام الاقتصادي هي لمجرد تسهيل المفاوضات، فإذا شعر بأنها لا تصب في هذا الاتجاه فلن يتعاون معها.
هذا فضلا عن أن عباس ليس في موقع قوي للتأثير في مسار التعاون الإسرائيلي العربي، إذ إنه ليس متحكما في غزة، وقبضته على الأراضي الفلسطينية متراخية، ويواجه منافسة من غريمه محمد دحلان.
ورغم الإجراءات التي باشر عباس تنفيذها ضد غزة (قطع الرواتب ووقف المساعدات عن أسر الشهداء والجرحى، ووقف تحويل الأموال لتشغيل محطة كهرباء غزة)؛ فإنه سيواجه مشكلة إن أراد حكم غزة في ظل تعقيدات الوضع الاقتصادي، أو قرر التخلي عنها ومواجهة الاتهامات الإسرائيلية بأنه لا يحكم كل الأراضي الفلسطينية.
والأهم من ذلك عدم جدية إسرائيل في إنجاز تسوية، والهروب منها إلى ما يسمى السلام الاقتصادي الذي لا يؤدي إلى حل حقيقي للصراع، ويضعف دور الدول العربية في مواجهة التشدد الإسرائيلي.
لقد نجح ترمب في تشديد الحصار على إيران وإعادة موضعة إسرائيل كمحور للمواجهة معها، وهي الأفضلية التي خسرها العدو منذ حرب الخليج الأولى. وربما ينجح في إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولكن لا يزال أمامه مشوار طويل قبل أن يتوقع تحقق نتائج على الأرض من جولته هذه.