العدالة الانتقالية
عندما يتوقف إطلاق النار وتستقر الطائرات في مرابضها ستتجلى المأساة السورية بأوضح صورها، وستبدأ قصص الظلم تطفو وتزداد المطالب بالحقوق التي هُدرت لسنوات من أجل إنصاف المظلومين وتعويضهم، وستبرز الحاجة لتطبيق العدالة الانتقالية التي يعتبرها الكثيرون ضرب من الخيال في الوضع الحالي بسبب رفض النظام لأي تسوية خارج فرض القوة العسكرية والتشبث بالسلطة مهما كان الثمن وتفضيل المكاسب السياسية للفئة الحاكمة على المصلحة الوطنية للشعب والدولة، إضافة الى التدخلات الأجنبية وحجم الدمار والخسائر في الأرواح والممتلكات وملفات الهجرة والنزوح الضخمة والمعتقلين وتعدد القوى المعارضة وتشرذمها و الحالة المترهلة للجهاز القضائي في سورية كلها عوامل تشكل تحدياً هائلاً أمام البدء بإرساء مبادئ عمل للعدالة الانتقالية. لكن تبقى تجارب الشعوب التي طبقت أشكال من العدالة الانتقالية حينما ثارت على الأنظمة المستبدة وأعادت السلام والاستقرار ورسخت قيم الديمقراطية في مجتمعاتها وكيّفت العدالة على نحو يلائم مجتمعاتها بعد خوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات السلطات، فشكلت هيئات متخصصة معترف بها رسمياً ومفوضة تستمد صلاحياتها من سلطات محلية أو دولية أو ينص على تشكيلها في اتفاقية سلام بعضها على شكل هيئات قضائية تتمتع بالاستقلال القانوني والتي أهتمت بتوثيق الانتهاكات والتحقيق فيها لإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية واطلاق حوار عام تعددي حول ثقافة حقوق الانسان وتوثيق كل الانتهاكات وتسجيلها حفاظاً على الذاكرة الفردية والجماعية وتدعيم دور المجتمع المدني وتشجيعه على الكشف والاستفادة من تجارب العدالة الانتقالية الملهمة في الدول الأخرى.