يبدو أن البادية السورية ستكون مسرحاً لصراع نفوذ طويل الأمد, فبعد أن نجحت قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها بدعم جوي روسي من قطع الطريق على قوات الجيش الحر التي تدربها واشنطن وتتخذ من قاعدة التنف العسكرية نقطة لانطلاق عملياتها باتجاه محافظة دير الزور, والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية, تقوم واشنطن اليوم بالتفكير بتكتيكات عسكرية أخرى على الصعيد التقني, عن طريق خلق مركز ثقل عسكري آخر شمال المحافظة للالتفاف على خطة النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا فيما يسمونه “السباق” نحو المنطقة الغنية بالبترول.
قواعد ونفوذ:
المعلن للرأي العام أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد دعم حلفائها في معارك البادية والشرق السوري, لإنهاء تواجد تنظيم الدولة الإسلامية هناك, ولكنها في الحقيقة تسعى لزيادة بسط نفوذها على الأرض, وخصوصاً في منطقة الشرق السوري الغني بالنفط وثروات معدنية أخرى, فتوسيع النفوذ العسكري الأمريكي في شمال وجنوب ولاحقاً شرق سورية, يمهد على ما يبدو لبقاء طويل الأمد بحسب مراقبين عسكريين, يتجاوز مرحلة ما تعلنه القيادة الأمريكية عن حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ففي الجنوب تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتوسيع قاعدة التنف العسكرية, حيث أظهرت مجموعة من الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية الأوربية, تغييراً كبيرأ في حجم واتساع رقعة القاعدة العسكرية خلال عدة أسابيع مضت, حيث دأبت الولايات المتحدة على تكبيرها وتوسيع مساحتها, وتغيير في شكل تخطيطها الهندسي, فقد ظهرت صور لمدرج جديد لإقلاع وهبوط الطائرات العسكرية, وازدياد ملحوظ لعدة مربعات سكنية ربما تكون وحدات صغيرة اسمنتية مسبقة الصنع, فضلا عن ازدياد ملحوظ في تواجد الآليات والعربات العسكرية.
قواعد أخرى:
تطوير قاعدة التنف يأتي بعد أسابيع من إعلان مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية عن قيامها نشر منظومة الصواريخ المتطورة “هيمارس” في القاعدة المذكورة, وهي أحدث منظومة صواريخ أمريكية دخلت الخدمة في عتاد الجيش الأمريكي الحالي, ومجهزة لحرب الجيوش النظامية وليست لحرب المليشيات والعصابات فقط.
تستخدم الولايات المتحدة اليوم قاعدة التنف العسكرية لدعم فصائل “الجيش الحر” التي تستخدمها واشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في البادية السورية, تمهيداً للانطلاق إلى معركة البو كمال ودير الزور انطلاقاً من ميدان البادية.
حاولت الفصائل العسكرية المحسوبة على الثورة والجيش الحر والمدعومة أمريكيا تحقيق تقدم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة البادية قبل نحو عام تقريباً, ولكنها فشلت في ذلك, ثم استمرت واشنطن في دعمها مرة أخرى من أجل الانطلاق إلى محافظة دير الزور, ولكن حدث مالم يكن بالحسبان, فقد دعمت روسيا قوات النظام السوري, والمليشيات الإيرانية الطائفية بالوصول إلى منطقة الحدود السورية – العراقية وقطعت الطريق على خطة واشنطن.
دفع العائق الأخير التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في مدينة الشدادي الواقعة جنوب مدينة الحسكة وشمال دير الزور, وقد أكد فصيل “مغاوير الثورة” المدعوم أمريكياً أنه حصل على موافقة غير كاملة وليست نهائية حول شروطه لإنشاء القاعدة العسكرية في مدينة الشدادي, ومنها الاستقلالية في القرار والإدارة والدعم المباشر من قوات التحالف وتقديم التدريب الخاص, ولكن عادت مصادر أخرى من داخل جيش مغاوير الثورة لتتحدث عن نية واشنطن إشراك قوات سورية الديمقراطية مع فصائل الجيش الحر في إدارة القاعدة الجديدة في الشدادي.
إشارات استفهام:
إن صحت كل تلك الأقاويل, فسوف يضع هذا الأمر عدة إشارات استفهام حول نية واشنطن, ومدى جديتها في أولويات دعمها لكل من الجيش الحر وقوات سورية الديمقراطية, وسوف يفتح الباب على عدة أسئلة من بينها مدى طموح الوحدات الكردية في الاستمرار في التقدم في مناطق حوض الفرات ذات البنية العرقية العربية وبدعم من واشنطن.. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.