يتسع يوما بعد يوم حجم الدمار، الذي لحق بقطاع الكهرباء السوري، والذي تنعكس آثاره الثقيلة مباشرة على جميع مظاهر الحياة، فضلا عن الخسائر المالية الباهظة على الاقتصاد المنهار.
ولا يخفي المواطنون تذمرهم مع اشتداد إجراءات التقنين، التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة، بدءًا من الكهرباء صيفا مرورا إلى المشتقات النفطية وأسطوانات الغاز شتاء ووصولا إلى أزمات الخبز والأدوية والمواد الغذائية وغيرها.
ويطرح الكثير من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات حول سبب الإمعان في سياسة التقشف رغم توقف إمداد لبنان بالطاقة الكهربائية منذ انتهاء عقود التزويد بين البلدين في أبريل الماضي.
ويقول خبراء إن الجهات المعنية التابعة للنظام السوري تقوم بقطع التيار الكهربائي بمعدل خمس ساعات يوميا مقابل ساعة متقطعة من التيار الكهربائي.
واللافت أن ذلك يحصل في أماكن تعتبر مرفهة نسبيا كالعاصمة دمشق وبعض مدن القلمون في ريف دمشق وحتى اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري، بينما تزداد ساعات التقنين في الأماكن الريفية والأماكن النائية والقرى الصغيرة.
1500 ميغاواط يوميا تولدها محطات الكهرباء بعد أن كانت تنتج 8 آلاف ميغاواط يوميا قبل الأزمة
وتضررت شبكة إمدادات الكهرباء بشكل كبير خلال سنوات الحرب، التي جعلت المواطنين يعيشون مشاكل بالإضافة إلى معاناتهم من نقص الغذاء والدواء وشح السيولة النقدية في الأسواق والتراجع التاريخي لقيمة الليرة.
وكانت حكومة تصريف الأعمال قد كشفت قبل فترة عن تفاصيل الدمار الشامل، الذي لحق بالحقول والمنشآت النفطية طيلة أكثر من 9 سنوات من الحرب، وما لذلك من آثار على توفير إمدادات الكهرباء للسكان في مناطق سيطرة النظام.
وتتبادل الأطراف المتنازعة في سوريا السيطرة على حقول النفط والغاز منذ بداية الحرب باعتبارها الغنيمة الكبرى التي تدر إيرادات مالية من جهة، وتخنق حاجة الطرف الآخر إلى الوقود، من جهة ثانية.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية منذ سنوات أزمة محروقات حادة وساعات تقنين طويلة، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد، ما انعكس بشكل كبير على السكان.
ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 133 في المئة منذ مايو العام الماضي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ويؤكد محللون أن سنوات الحرب استنزفت قطاعي الطاقة والكهرباء مع خروج أبرز حقول النفط والغاز عن سيطرة النظام السوري، وتعرّض محطات التوليد لاعتداءات أو تضررها خلال المعارك.
ولكن يبدو أن عدة عوامل أخرى أثّرت على تأمين إمدادات الكهرباء بشكل مستقر حيث تحول العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا دون وصول بواخر النفط بانتظام.
وتلقّى القطاع ضربة جديدة حينما تسبّب انفجار خط غاز رئيسي بريف دمشق فجر الإثنين الماضي، في انقطاع التيار الكهربائي عن أنحاء سوريا، في حادث قالت دمشق إنه “عمل إرهابي”.
ويعدّ هذا الانفجار الأحدث ضمن سلسلة اعتداءات استهدفت في السنوات الأخيرة إمدادات أو مرافق حيوية بينها أنابيب غاز ومنشآت نفطية بحرية أو محطات توليد للكهرباء، وهي قطاعات استنزفتها سنوات الحرب الدامية.
ونسبت وكالة الأنباء الرسمية إلى وزير الكهرباء في حكومة تصريف الأعمال محمد زهير خربوطلي قوله إن “انفجارا وقع في خط الغاز العربي بين منطقة الضمير وعدرا في ريف دمشق، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء في سوريا”.
وهذه العملية ستزيد من تعقيد مشاكل دمشق، وخاصة أنها لا تملك الأموال الكافية لإصلاح الدمار في الأنبوب لاسيما أن حليفتها إيران، التي لطالما دعمتها بالمال منذ 2011، تعاني هي الأخرى من مشاكل اقتصادية خانقة.
وانخفضت تلبية الطلب على الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تشير بيانات رسمية إلى بلوغه أقل من 27 في المئة بسبب محدودية مادة الفيول والغاز بعد أن كان عند مستوى 97 في المئة قبل النزاع.
وكان إنتاج محطات توليد الكهرباء في سوريا يبلغ نحو 8 آلاف ميغاواط يوميا قبل اندلاع الأزمة، وكانت تمتلك فائضا من إنتاج الكهرباء تقوم بتصديره إلى دول الجوار، فيما انخفض الإنتاج حاليا إلى ما بين 1500 وألفي ميغاواط يوميا.
ويقدّر خربوطلي خسائر قطاع الكهرباء منذ بداية الأزمة بنحو تريليوني ليرة، أي قرابة 4 مليارات دولار على الأقل بأسعار الصرف الرسمية، وتسببت الحرب في توقف عمل 70 في المئة من محطات التحويل وخطوط نقل الفيول.
وعزا الوزير هذا الانخفاض إلى خروج عدد من المحطات والخطوط الكهربائية عن الخدمة بسبب “الاعتداءات المتكررة من قبل المجموعات الإرهابية” أو لوقوعها في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة.
وخلال العامين الأخيرين تعرّضت منشآت وخطوط إمداد تحت سيطرة القوات الحكومية لهجمات، بينها اعتداءات بالقذائف على منشآت نفطية في محافظة حمص في فبراير الماضي، أدّت إلى أضرار مادية ونشوب حرائق تمت السيطرة عليها.
وأعلنت الحكومة السورية في يناير الماضي أنّ منشآت نفطية بحرية تابعة لمصفاة بانياس غرب البلاد تعرّضت للتخريب بواسطة عبوات ناسفة زرعها غطّاسون.
وفي يونيو العام الماضي تعرّضت المنشآت ذاتها لعملية تخريبية، ما تسبب في تسرّب نفطي في منطقة المصب البحري وتوقف بعضها عن العمل.
ومنذ بدء النزاع مُني قطاع النفط والغاز بخسائر كبرى تقدّر بأكثر من 74 مليار دولار جراء المعارك وفقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى فضلاً عن العقوبات الاقتصادية المشدّدة عليها.
نقلا عن صحيفة العرب