تحتمل القضية، المجهولة، أن تكون عادلةً حتى يستعين صاحبها بالأطفال، لتدعيم وجهة نظره، فتسقط، ويسقط صاحبها من عيني، فما بالك إن كان من المعلوم لدي أنها ليست عادلةً أصلاً؟ لكن هذا المفهوم الذي يتبناه كثيرون غيري لا يردع بعضهم عن استغلال الطفولة، بما تحمله من براءةٍ وجمالٍ في تكريس قضاياها، ومحاولة إقناع الآخرين بها، غير آبهين بالطفولة التي ينبغي أن تُجنّب كل صراعٍ لا يرحم ضعفها.
على سبيل المثال؛ يُحاول النظام السوري الاستعانة بكل شيء لتطبيع علاقاته مع العالم الطبيعي، ويحاول، بشتى الوسائل، أن يقنع الآخرين أنه نظامٌ مقبولٌ من الشعب، وأن الجرائم التي يرتكبها، كل لحظةٍ، بحق هذا الشعب، تقتيلاً وسجناً وتجويعاً وتشريداً ما هي إلا ادعاءات باطلة من المعارضة ومن يساعدها. ومن يفتح تلفزيونه على أية قناة سورية تابعة لهذا النظام، حكومية أم خاصة، سيفاجأ بصور للحياة الطبيعية للشعب في المدن السورية، ويتساءل عمّا إذا كانت مشاهد الموت والدمار والدماء التي تجري مجرى الشوارع في القنوات العربية والعالمية حقيقية أم تمثيلية، في ظل الهدوء الذي تنعم به هذه المدن، كما يحاول أن يبين ذلك النظام للعالم.
وفي سبيل تحسين صورة الداخل السوري، بما يخدم سياسة النظام، لا يتورّع الأخير عن استخدام كل الوسائل المتاحة بين يديه، إضافةً إلى سياسة الكذب المباشر عبر وسائل الإعلام، ولعل من أسهل هذه السياسات استخدام الأطفال الأبرياء، خصوصاً في تكريس صورة طبيعية مزيفة له.
قبل أيام، أرسل رئيس النظام السوري ابنته الطفلة إلى طهران، للمشاركة في مسابقةٍ للفروسية، وطبعاً، لا بد أن تفوز، فهي ابنة “السيد الرئيس” الذي سبق لوالده عندما كان رئيساً أن سجن أحد المتسابقين السوريين، لأنه تجرأ وفاز في مسابقة الفروسية على ابنه باسل الأسد. ويذكر من أخبرني بالحكاية أن “باسل” توفاه الله قبل سنوات عديدة، لكن المتسابق المسكين ما زال في السجن.
وعليه، فازت الطفلة زين الشام بشار الأسد بالمسابقة، وظهرت، في بعض الصور، وهي ترفع الكأس بفرح. وبدلاً من أن يظهر معها مدرّبها على العادة في هذا النوع من المسابقات الرياضية، ظهر إلى جانبها ضابط كبير، ما يعزّز الإحساس بالامتعاض الذي شعر به كثيرون، ممن قدّر لهم أن يعيش واقع المأساة السورية بالدم والفقر والخوف والحاجة، بينما يرسل الطاغية ابنته للمشاركة في مسابقةٍ رياضيةٍ مكلفةٍ كمسابقة الفروسية.
استفزّني مشهد الطفلة التي يبدو أنها فرحت بالكأس، من دون أن تعرف، بالتأكيد، أنها مجرد أداةٍ بيد والدها ونظامه، لتعزيز صورة سورية الطبيعية من جهة، ولإرسال رسالةٍ غير مباشرة للشعب أنه وعائلته فوق الجميع، من جهة أخرى. فغرّدت على المشهد في “تويتر” تعليقاً سخرت فيه من سياسة والدها الذي أرسل ابنته بمهمةٍ مزدوجةٍ، لا تعرف عن حقيقتها شيئاً، وترفع في نهايتها كأس الانتصار، في وقتٍ يتلقى فيه مجايلوها من أطفال سورية البراميل المتفجّرة.
كنت متوقعةً طبعاً ردود فعل قاسية ضدي من المنحازين للطاغية والطغيان، وخصوصاً ممن اتخذ من الطائفية بوصلةً لتوجهاته الفكرية عموماً، لكن ما لم أتوقعه، ولم أفهمه، وقطعاً لم أتفهمه، أن يفعل فعلهم بعض الليبراليين، بحجة انتصارهم للطفولة، وباعتبار أن الطفلة ليست مسؤولةً عما يفعله والدها، فلماذا نحاسبها على الأمر، على الرغم من أن هذا، بالضبط وتحديداً، هدفي مما كتبته بوضوح؛ وما أؤكده، هنا، لا للمغرضين من كل التوجهات والأطراف، فهم لا يستحقون أن نشرح لهم ما يتغاضون عن فهمه عمداً، ولكن لمن التبس عليهم الأمر فعلاً؛ إلا الأطفال أيها المتخاصمون المتحاربون المختلفون.. إلا الأطفال. أبعدوهم عن مرمى نيرانكم العدوّة والصديقة، وامضوا في حروبكم الخفية والمعلنة كما تشاؤون.
العربي الجديد