لا تسعى روسيا، من خلال تدخلها العسكري في سورية، إلى استعادة مكانتها على الساحة الدولية فحسب، بل تبدو ثمة أهداف غير مباشرة لا تخفيها موسكو، تتمثل في اختبار أسلحتها الحديثة في ظروف القتال، وتحديد عيوبها وتداركها، وتسويق منتجاتها، بغية زيادة صادراتها العسكرية، بحسب مراقبين.
ولا يمر اجتماع للجنة الروسية للتعاون العسكري التقني من دون تطرّق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى العملية العسكرية في سورية، إما مؤكدا ارتفاع الصادرات العسكرية الروسية على إثرها، وإما داعيا إلى تحليل الخبرة القتالية، لتطوير نظم الأسلحة الحالية وتصميم معدات أخرى ذات استخدام عسكري.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا، رئيس تحرير مجلة “تصدير الأسلحة”، أندريه فرولوف، إلى أن العملية العسكرية الروسية في سورية أدت بالفعل إلى ارتفاع الطلب على صواريخ “كاليبر” المجنّحة التي تم استخدامها لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ولكن إجمالي صادرات الأسلحة الروسية لم يشهد ارتفاعا يُذكر حتى الآن.
ويقول فرولوف، في حديثه لـ “العربي الجديد”، “بحسب التصريحات الرسمية، فإن الطلب ازداد، ولكن الصادرات العسكرية لا تزال مستقرة عند مستوى 14 – 15 مليار دولار سنويا، بينما يجب أن تمر بضع سنوات قبل أن تنتهي المفاوضات وتُبرم عقود إضافية على إثر العملية في سورية”.
وفي ما يتعلق بأنواع الأسلحة الروسية الأوفر حظا لإيجاد مشترين لها بعد اختبارها في سورية، يشير الخبير العسكري الروسي إلى المقاتلات القاذفة “سوخوي-34” ومختلف أنواع الصواريخ والقنابل… إلخ.
ويوضح أنه يجب عدم اللبس بين قيمة الصادرات الفعلية وقيمة العقود المبرمة التي سجلت رقما قياسيا خلال عام 2015، بواقع 26 مليار دولار، قبل أن تنخفض في عام 2016، بينما يبلغ إجمالي حقيبة عقود تصدير الأسلحة الروسية حوالي 50 مليار دولار.
وحول مكانة روسيا في سوق الأسلحة العالمية، يضيف فرولوف “يختلف تصنيف المصدرين حسب معايير التقييم. تأتي روسيا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم الصادرات، ولكن فرنسا تتفوق على روسيا من حيث قيمة العقود الجديدة. أما بريطانيا، فتتخلف عن روسيا وفرنسا، ولكنها قد تأتي في المرتبة الثانية في حال شمل التقييم مشاريعها المشتركة مع الولايات المتحدة”.
وتمكنت روسيا في إطار عمليتها في سورية من اختبار أحدث أسلحتها في ظروف القتال، بما فيها غواصة “روستوف على الدون” والقاذفات الاستراتيجية “تو-95 إم إس” و”تو-160″ (“البجعة البيضاء”)، وصواريخ “إكس-101” المجنحة (جو – أرض) التي يمكن تزويدها برؤوس حربية نووية.
وبعد حادثة إسقاط قاذفة “سوخوي-24” من قبل سلاح الجو التركي، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نشرت روسيا منظومة صواريخ “إس-400” (تريومف) بقاعدة حميميم في محافظة اللاذقية، وسط أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين موسكو وأنقرة.
لكن خلال عام فقط على اعتذار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن واقعة إسقاط الطائرة الحربية، لم تتمكن موسكو وأنقرة من تطبيع العلاقات الاقتصادية فحسب، بل وصلتا إلى مرحلة التنسيق السياسي والعسكري في سورية، وتتجهان حاليا إلى التعاقد على توريد صواريخ “إس-400” التي تعتبر أحدث منظومة للدفاع الجوي في العالم.
ورغم عدم الكشف عن القيمة المتوقعة للعقد بشكل رسمي، إلا أن صحيفة “إر بي كا” الروسية أفادت بأنها قد تبلغ 500 مليون دولار، مقابل كل كتيبة صواريخ، بينما لم يتم البت في آلية تمويل الصفقة بعد.
وفي حال التعاقد، قد تصبح تركيا ثالث بلد أجنبي يحصل على هذه الصواريخ بعد الصين والهند، فيما ستنافس روسيا نفوذ القوى الغربية في تركيا، البلد العضو في حلف الناتو.
ومع ذلك، يقلل فرولوف من احتمال التأثير السلبي لتوريد صواريخ “إس-400” إلى تركيا على علاقتها بحلفائها في الناتو، لكونها منظومة دفاعية بحتة، مذكّرا بأن تزويد إيران بصواريخ “إس-300” للدفاع الجوي لم يزد من التوترات الجيوسياسية.
وكان بوتين قد صرح، في اجتماع للجنة التعاون العسكري التقني، يوم الخميس الماضي، بأن روسيا تتخذ قرارات توريد الأسلحة “انطلاقا من الوضع الدولي الراهن في مختلف مناطق العالم، لمنع أي إخلال بالتوازن”.
وتتعامل روسيا مع تصدير الأسلحة على أنها مسألة تجارية أكثر منها سياسية، وهو ما يتجلى بوضوح في تعاونها مع دول متخاصمة بين بعضها البعض في آن معا، كما هو الحال بين أرمينيا وأذربيجان، مثلا، أو التعامل مع إيران، مع استمرار البحث عن فرص الدخول إلى السوق السعودية.
وبحسب تقرير صدر عن “معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام” عن أعوام 2012 – 2016، فإن الهند والصين وفيتنام والجزائر تتصدر قائمة مستوردي الأسلحة الروسية، لتبلغ حصتها في مجموع الصادرات العسكرية الروسية 38 و11 و11 و10% على التوالي.
ولما كانت الجزائر تأتي في مقدمة الدول العربية المستوردة للأسلحة الروسية، تبحث موسكو عن إيجاد منافذ جديدة لصادراتها العسكرية في دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر، بينما يعيق الحظر الدولي بدء توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وكانت روسيا ومصر قد وقعتا، في عام 2014، على حزمة من العقود بقيمة تزيد عن ثلاثة مليارات دولار لتوريد نظم للدفاع الجوي وطائرات ومروحيات وأسلحة مدفعية ونارية روسية الصنع، كما من المنتظر أن تبدأ روسيا، في أغسطس/آب المقبل، بتسليم مصر مروحيات “كا-52” (التمساح) لحاملتي المروحيات “جمال عبد الناصر” و”أنور السادات” من فئة “ميسترال” اللتين اشترتهما مصر من فرنسا، بعد عدول هذه الأخيرة عن توريدها إلى روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وتعتبر مروحيات “كا-52” أيضا من الأسلحة التي تم رصد استخدامها لأول مرة في القتال في سورية، وذلك أثناء العمليات في محيط تدمر، في مطلع إبريل/نيسان 2016.
وتجاوز حجم صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية في عام 2016، قرابة 15 مليار دولار، وحافظت روسيا بذلك على ترتيبيها في العالم كثاني أكبر مصدر للأسلحة.
وتكون روسيا بذلك قد زادت حجم صادرات الأسلحة، خلال العام الماضي، بمقدار نصف مليار دولار، إذ بلغت في عام 2015 نحو 14.5 مليار دولار.
وقال بوتين، في تصريحات سابقة، إن حجم الطلبيات على الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية يبقى عند مستوى 50 مليار دولار، وإن 52 دولة في العالم تشتري السلاح من روسيا بشكل دوري.
وفي عام 2016 وقّعت روسيا عقودا جديدة لتوريد أسلحة بقيمة 9.5 مليارات دولار، ما حافظ على مستوى الطلبات عند مستوى 50 مليار دولار.
وتشكل إمدادات المعدات العسكرية الروسية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، نحو 45% من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية، ما يدل على أهمية هذه المنطقة لروسيا.
وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى في لائحة كبار مصدري الأسلحة، بحصة سوقية تبلغ 33%، تليها روسيا في المرتبة الثانية بحصة تبلغ 23%، ثم الصين بنحو 6.2%، تليها فرنسا 6%، وفق تقديرات روسية.
صدى الشام