لشهر رمضان في سورية طقوسه الخاصة التي تحرص الأجيال المتعاقبة على الحفاظ عليها. مع الوقت، تحوّلت إلى عادات وتقاليد تعيشها مختلف مكوّنات المجتمع السوري، أكثر منها شعائر دينيّة. خلال هذا الشهر، يجتمع الأهل والأصدقاء على موائد الإفطار، وكثيرون ما يسهرون معاً. وتتبادل العائلات الأطعمة، في حين يستغل المغتربون هذا الشهر لزيارة ذويهم بعد طول غياب. إلّا أنّ الحرب قلبت حياة السوريّين رأساً على عقب، وأثّرت بشكل مباشر على عادات وتقاليد هذا الشهر بحسب واقع كل منطقة، إذا كانت تعاني من الحصار أو القصف أو غير ذلك.
يقول عضو المكتب الإعلامي في مجلس مدينة داريا (تقع في الغوطة الغربية لدمشق والمحاصرة منذ أربع سنوات)، شادي مطر، لـ “العربي الجديد”، إنه “في داريا، اختفت كلّ أجواء رمضان التي عرفناها في مدينتنا قبل عام 2011. لا نسمع الأذان ولا يلتقي الناس في الجامع. كذلك، فالطعام الذي يجمع العائلة يعدّ بسيطاً جداً، وتعاني الأسر لتأمينه. يشعر الناس بحرقة لافتقادهم الأجواء القديمة في ظلّ استمرار الحصار والحرب، أو فقدان أحد أفراد العائلة”.
يضيف مطر: “لم تعد العائلات تجتمع كما في السابق جرّاء القصف بمختلف أنواع الأسلحة. تتناول العائلات وجبة الإفطار في وقت تسقط البراميل المتفجرة هنا وهناك. وتغيب عن وجبات الإفطار الخضار والفاكهة واللحوم، لتقتصر على القليل من الأرز والبرغل”. تجدر الإشارة إلى أن النظام حرم أكثر من 8 آلاف شخص من الأراضي الزراعية جراء استهدافها بالبراميل المتفجرة.
من جهته، يقول عضو المجلس المحلي لمدينة داريا، حسام عياش، لـ “العربي الجديد”، إنه يعيش في المنطقة مجموعة من الشباب بعيداً عن أهلهم “هؤلاء يجتمعون على الإفطار من دون أن يشعروا بأجواء رمضان التي اعتادوها”.
لا تختلف الأجواء الرمضانية في مدينة مضايا المحاصرة في ريف دمشق عن داريا. هذه المدينة الواقعة شمال العاصمة دمشق، تضم نحو 45 ألف مدني، وقد حرموا من أبسط احتياجات الحياة اليومية. لا كهرباء أو اتصالات، عدا عن شحّ المواد الغذائية، وقد توفي العشرات خلال الأشهر الماضية بسبب الجوع.
توضح الناشطة آمنة سلم لـ “العربي الجديد” أنه “لا أجواء رمضانية في مضايا أو بقين أو الزبداني. معظم العائلات شرّدت أو فقدت عزيزاً. هكذا يأتي رمضان ليكون مناسبة لذكرهم والدعاء بالفرج وفك الحصار وحماية الأطفال من القصف والقنص”.
تتابع سلم: “في مضايا، لا نتبادل أطباق الطعام لأننا نأكل جميعاً من الطبق ذاته، وغالباً ما يتكوّن من البرغل أو الأرز. هذه الأيام، قد تحصل عائلة على بعض الفاكهة في مقابل مبالغ مادية كبيرة، وعادة ما تترك للأطفال”.
ويفيد ناشطون بأن الأجواء الرمضانيّة في مناطق كالغوطة الشرقية في ريف دمشق وريف درعا، الخاضعة لسيطرة المعارضة، تعد أفضل بالمقارنة مع المناطق المحاصرة. يقول مدير شبكة “شام” الإخبارية في الغوطة الشرقية، لـ “العربي الجديد”: “ما زلنا في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وإن كانت ليست بالزخم نفسه قبل عام 2011. تجتمع الأسر على موعد الإفطار، ويتبادل الجيران الأطعمة أو ما يعرف بالسكبات. وما زال البعض يجتمعون ليلاً ويستقيظون على صوت المسحرّاتي”.
يضيف أنه “في ظل هذه الأجواء، يطغى على الأهالي حديث الحرب والسياسة والقصف والمعارك، بالإضافة إلى أخبار الفصائل في الداخل”. يتابع أن أهل الغوطة يحبّون الحياة، وسيحبّونها مهما فعل بهم النظام. لكنّ أكثر ما يؤرّقهم هو ارتفاع الأسعار وبقاؤهم ضمن الغوطة التي تحولت إلى سجن. بالنسبة إلى الناس، ففي حال انتهى الحصار، يحتاجون إلى شهرين لتعود الحياة أفضل مما كانت.
في ريف حمص الشمالي، يجتمع الأقارب والجيران على موائد الإفطار. وقد ساهم الأمر في تنويع موائدهم، علماً أن الأسرة الواحدة غير قادرة على إعداد أكثر من نوع واحد من الأطعمة بسبب غلاء الأسعار. يقول الناشط الإعلامي في ريف حمص الشمالي، يعرب الدالي، لـ “العربي الجديد”، إن “السهرات لم تتغيّر. وما إن ينتهي الإفطار، حتى يلتقوا في بيت أحد أهالي الحي، ويشربوا الشاي ويشاهدوا أحد المسلسلات أو يناقشوا الأحداث اليومية في بلادهم”. تجدر الإشارة إلى أن بعض الجمعيات تقيم إفطارات للصائمين، تتضمّن سهرات ولقاءات تجمع الناس.
أنهكت الحرب جميع السوريين، سواء أكانوا في مناطق المعارضة أو مناطق النظام، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي صعب ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب ارتفاع الأسعار وفقدان الليرة السورية قيمتها، من دون أن يزداد دخل الناس، علماً أن متوسط دخل الفرد هو نحو 50 دولارا أميركيا.