* الملخص التنفيذي:
– يُنبئ التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط عن ضعف، ويشجع سعي إيران للهيمنة الإقليمية، بدعمٍ من الاتفاق النووي.
– أخطر عواقب السياسة الخارجية الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط، هي: احتمالية الانتشار النووي.
– علاوة على ذلك، يسمح النهج الأمريكي الحالي لروسيا بأن تزحف إلى المنطقة؛ ما يعزز من قوة المحور الراديكالي الذي تقوده إيران.
– كما يفتح الباب أمام “فنلدة” (مصطلح يستخدم لوصف تأثير بلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور) الخليج وبحر قزوين من قبل إيران.
– بيد أن ضعف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيكون له حتما نتائج إيجابية في أجزاء أخرى من العالم.
أعربت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس باراك أوباما، عن عزمها تقليص وجودها في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث خاضت حربين فاشلتين، لقنتاها درسا مثيرًا للإحباط بشأن حدود قوتها.
بموازاة ذلك، انخفض اعتماد الولايات المتحدة على طاقة الشرق الأوسط؛ بفضل التقدم المحلي في تكنولوجيا التكسير. علاوة على ذلك، قررت واشنطن الانتقال إلى محور الصين، المنافس العالمي الناشئ، وأيضا تقليل نفقات الدفاع، تاركةً وراءها أصولا عسكرية أقل (لفترةٍ خلال عهد أوباما، لم يكن للولايات المتحدة أي حاملة طائرات في البحر المتوسط ولا الخليج، وهو وضع غير مسبوق). بالإضافة إلى ذلك، كانت الحملة الأمريكية ضد داعش محدودة للغاية، ولم تحرز نجاحا يُذكَر. وهكذا للأسف، يشير هذا الانفصال إلى إنهاك الولايات المتحدة وضعفها.
شرعنة النووي الإيراني
امتنعت واشنطن عن مواجهة إيران، وقطعت أشواطا طويلة لاستيعابها. ويحتج الرئيس أوباما بأن استكمال صفقة إيران النووية؛ يحلّ أحد القضايا الأمنية العالقة في المنطقة قبل مغادرته منصبه.
بيدَ أن الاتفاق يضفي الشرعية على البنية التحتية النووية الكبيرة في إيران، ويتجاهل مصالح الأمن القومي لاثنين على الأقل من حلفاء الولايات المتحدة: إسرائيل والسعودية.
كما أن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية لاحقًا- دون اشتراط حدوث أي تغيير في السياسة الإقليمية الإيرانية- يتيح لإيران جني فوائد مالية كبيرة دون أي تكلفة. ورغم أن سياسة الرئيس أوباما تجاه إيران أسفرت عن تغيير جذري في ميزان القوى الإقليمي، يبدو أن واشنطن متمسكة بموقفها إلى حد كبير.
وفي حين تدّعي واشنطن أنها واثقة من أن إيران ستلعب “دورا إقليميا مسئولا”، يرى قادة أنقرة والقاهرة وتل أبيب والرياض أن توجهات طهران السياسية لم تشهد تغييرا يُذكَر عما قبل الاتفاق النووي، بل ثمة احتمالية لإنتاج قنابل نووية في وقت قصير.
الانتشار النووي
أما أخطر نتائج سياسة الانسحاب الأمريكية من المنطقة فهي: زيادة احتمالية الانتشار النووي. ذلك ان القوى المتنافسة على القيادة الإقليمية، مثل: مصر وتركيا والسعودية، لن تقف مكتوفة الأيدي في الميدان النووي، خاصة وأن الولايات المتحدة لم يعد يُعوَّل عليها لتوفير الأمن.
ويرجح أن تفشل محاولات واشنطن لإقناع القوى الإقليمية بالاعتماد على المظلة النووية الأمريكية في محاولة لمنع الانتشار النووي. وسيكون ظهور شرق أوسط نووي متعدد الأقطاب- النتيجة المنطقية للتسوية الأمريكية النووية مع إيران- كابوسًا استراتيجيًا للجميع.
“فنلدة” الخليج وبحر قزوين
وقد تُكَثِّف إيران الأكثر جرأة- والتي تعمل عادة عبر وكلاء وليس عن طريق الغزو العسكري- من حملتها التخريبية ضد السعودية، ربما عن طريق اللعب بورقة الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط ذات الأغلبية الشيعية، والتي سيؤدي فقدانها إلى إضعاف الدولة السعودية إلى حد كبير، وربما يصل حتى إلى تفككها.
وفي غياب الحزم والقدرة الأمريكيين، قد تؤدي القوة الإيرانية المتفوقة إلى “فنلدة” (مصطلح يستخدم لوصف تأثير بلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور) دول مجلس التعاون الخليجي، بل وأيضًا حوض بحر قزوين؛ حيث تشترك إيران في الساحل مع بلدان مهمة منتجة للطاقة مثل أذربيجان وتركمانستان، وكلا المنطقتين يحتوي على جزء كبير من موارد الطاقة في العالم.
وتخشى أذربيجان وتركمانستان بشدة من تنامي النفوذ الإيراني. ومن الممكن أن تقرر هذه الدول- التي تبنت توجهات سياسية خارجية موالية للغرب بعد تفكك الاتحاد السوفيتي- العودة إلى المدار الروسي، نظرا لأن موسكو تبدو في الوقت الراهن حليفًا أكثر موثوقية من أمريكا.
إفساح المجال لروسيا
وتدرك روسيا تماما إمكانية إعادة تأكيد دورها في المنطقة عقب التراجع الأمريكي. ولتحقيق هذه الغاية؛ اتخذت خطوة كبيرة بالتدخل عسكريًا في سوريا لضمان بقاء نظام الأسد. ذلك أن سوريا الساحلية تمثل قاعدة حيوية لتعزيز الوجود البحري الروسي في شرق المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك، تريد روسيا حماية فرص الطاقة التي تعتمد على بقاء الأسد. وبالفعل وقعت على عقود مع نظام الأسد تتعلق باكتشافات الغاز الأخيرة في حوض الشام.
تعزيز نفوذ طهران
وكانت سوريا حليفة لإيران منذ عام 1979، وهو أطول تحالف في الشرق الأوسط. والحفاظ على نظام الأسد أمر بالغ الأهمية للمصالح الإيرانية؛ لأن دمشق تمثل محورًا هاما لحزب الله، وكيل طهران في لبنان.
وهكذا تخدم الجهود التي تبذلها روسيا بالنيابة عن الأسد مصالح النظام الإيراني بشكل غير مباشر. وفي حال نجاحها، سوف تعزز هذه الجهود النفوذ الإيراني في المنطقة.
دعم الطموحات الكردية ضد تركيا
وخارج سوريا، قد نرى انضمام إيران إلى روسيا في دعم طموحات السياسة الكردية من أجل إضعاف تركيا، منافسة إيران على القيادة الإقليمية.
وفي حين يمثل الأكراد شوكة في الخاصرة التركية، فإن إيران وتركيا يدعمان الأطراف المتحاربة في سوريا، حيث نحت الأكراد لأنفسهم مناطق ذاتية الحكم. وبناء على ما ستتمخض عنه الحرب؛ قد تستفيد الأحلام القومية الكردية من فراغ السلطة الذي خلفه اختلال هيكل الدولة العربية والخروج الأمريكي من المنطقة.
دفع مصر والعراق لأحضان الروس والإيرانيين
وبالنسبة لمصر، يلعب التردد الأمريكي في دعم نظام السيسي لصالح الروس؛ الذين يبيعون السلاح لمصر، ويتفاوضون حول ميناء الأسكندرية، ويزودون مصر بمفاعلات نووية.
في العراق أيضًا، نرى إرهاصات الوجود الروسي في التنسيق مع إيران، في ظل التراجع المتواصل للنفوذ الأمريكي.
حلف معادي إيران
وقد يؤدي صعود إيران الأكثر عدوانية- وهو النتيجة المباشرة لتراجع الولايات المتحدة- إلى مزيد من التعاون الضمني بين مصر والأردن والسعودية وإسرائيل. والسؤال الكبير هو ما إذا كانت تركيا ستنضم إلى مثل هذا التوافق المعادي لإيران.
أزمة ثقة
في المقابل، سيؤدي ضعف الولايات المتحدة في المنطقة حتما إلى نتائج إيجابية في أجزاء أخرى من العالم.
بيدَ أن المصداقية الأمريكية محل تشكك الآن. وربما يقرر الحلفاء في أي مكان آخر أن الحكمة تقتضي التزام الحيطة في رهاناتهم. لذلك فإن هناك تحديات أكبر تنتظر الولايات المتحدة خارج منطقة الشرق الأوسط.
مركز الشرق العربي